المولد النبوي والبدعة الحسنة

كنا في لقاء ماض قد استعرضنا رسالة وردتنا من المستمع فلاح السيد قرية الكوز، محافظة الحسكة، منطقة الماليكة، وبقي له بعض الاستفسارات والأسئلة التي يمكن أن تغطي حلقة كاملة، يقول يا شيخ عبد العزيز في الاستفسار الأول: نسألكم عن مولد النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم- هل هو بدعة؟ وإني قد سمعت في بعض البلدان ومن بعض العلماء يقولون: إنها بدعة حسنة

الإجابة

الاحتفال بالموالد إنما حدث في القرون المتأخرة بعد القرون المفضلة، بعد القرن الأول والثاني والثالث، وهو من البدع التي أحدثها بعض الناس، استحساناً وظناً منه أنها طيبة، والصحيح والحق الذي عليه المحققون من أهل العلم أنها بدعة. الاحتفالات بالموالد كلها بدعة، ومن جملة ذلك الاحتفال بالمولد النبوي، ولماذا؟ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون ولا القرون المفضلة، كلها لم تفعل هذا الشيء، والخير في اتباعهم لا فيما أحدثه الناس بعدهم، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور). وقال -عليه الصلاة والسلام-: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة). وقال -عليه الصلاة والسلام-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). أي مردود. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وضح الأمر، وبين أن الحوادث في الدين منكرة، وأنه ليس لأحد أن يشرع في هذا الدين ما لم يأذن به الله، وقد ذم الله –تعالى- أهل البدع بقوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [(21) سورة الشورى]. والاحتفال أمر محدث لم يأذن به الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، والصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء وأحب الناس للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأسرع الناس إلى كل خير، ولم يفعلوا هذا، لا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا بقية العشرة ولا بقية الصحابة، وهكذا التابعون وأتباع التابعين ما فعلوا هذا، وإنما حدث من بعض الشيعة الفاطميين في مصر في المائة الرابعة كما ذكر هذا بعض المؤرخين، ثم حدث في المائة السادسة في آخرها وفي أول السابعة .... ظن أن هذا طيب، ففعل ذلك. والحق أنه بدعة لأنها عبادة لم يشرعها الله -سبحانه وتعالى-، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يكتم شيئاً مما شرعه الله، بل بلغ كل ما شرع الله وأمر به؛ فقال الله - سبحانه وتعالى-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [(3) سورة المائدة]. فالله قد أكمل الدين وأتمه، وليس في ذلك الدين الذي أكمله الله الاحتفال بالموالد، فعلم بهذا أنها بدعة منكرة لا حسنة؛ وليس في الدين بدعة حسنة، بل كل بدعة ضلالة، كلها منكرة والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (كل بدعة ضلالة). فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يقول إن في البدع شيئا حسنا والرسول يقول: (كل بدعة ضلالة)؛ لأن هذه مناقضة ومحادة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت عنه أنه قال: (كل بدعة ضلالة). فلا يجوز لنا أن يقول خلاف قوله -عليه الصلاة والسلام-. وما يظنه بعض الناس أنه بدعة وهو مما جاء به الشرع فليس ببدعة مثل كتابة المصاحف، ومثل صلاة التروايح ليست بدعة، كل هذه مشروعة فتسميتها بدعة لا أصل لذلك. وأما ما يروى عن عمر أنه قال في التروايح : [نعمت البدعة]. فالمراد بهذا من جهة اللغة وليس من جهة الدين. ثم قول عمر لا يناقض ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا يخالفه، فقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقدم؛ لأنه قال : (كل بدعة ضلالة). وقال: (وإياكم ومحدثات الأمور). وقال -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة : (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة). هذا حكمه -عليه الصلاة والسلام-. رواه مسلم في الصحيح. فلا يجوز لمسلم أن يخالف ما شرعه الله، ولا أن يعاند ما جاء به نبي الله -عليه الصلاة والسلام-، بل يجب عليه الخضوع لشرع الله، والكف عما نهى الله عنه من البدع والمعاصي- رزق الله الجميع للهداية-