الصواب هو ما سمعت فيما ذكرت ، نقلت عن جوابي السابق، وأن هذه الموالد التي يحتفل بها الناس بدعة لا أصل لها ، ولا ينبغي للعاقل وطالب العلم أن يغتر بفعل الناس ، فإن فعل الناس لا يقاس عليه ، ولا يحتج به ، وإنما يحتج بما قاله الله ورسوله ، فأقوال الناس وأعمال الناس واحتفالاتهم كلها تعرض على الكتاب والسنة، فما وافق كتاب الله أو سنة رسوله الصحيحة -عليه الصلاة والسلام- فهو المتبع، وهو الحق، وما خالفهما وجب رده وإن فعله الناس ، قال الله -تعالى- : وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [(103) سورة يوسف]. وقال -تعالى- : وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [(116) سورة الأنعام]. وقال -تعالى- : وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [(20) سورة سبأ]. فالحاصل أن أفعال الناس وأقوال الناس ليست ميزاناً توزن بها الأحكام وتعرف بها الأحكام الشرعية، وإنما الميزان هو ما قاله الله -جل وعلا- : فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [(59) سورة النساء]. وفيما قال سبحانه : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [(10) سورة الشورى]. هذا هو الميزان ، الميزان هو ما قاله الله ورسوله ، فالاحتفالات بالموالد ليس لها أصل في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- ، وقد مضى على المسلمين قرون كثيرة لم يحتفلوا بها في الموالد، فلم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته وهو خاتم النبيين ليس بعده نبي بعده يعلمنا ، هو خاتم النبيين ، وهو أنصح الناس -عليه الصلاة والسلام- ، وهو أعلم الناس ، وأخشى الناس ، وأتقاهم لله ، عليه الصلاة والسلام ، فلو كان الاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم- أو بالموالد الأخرى أمراً مشروعاً لبينه للأمة عليه الصلاة والسلام، أو فعله بنفسه ، حتى يقتدى به ، ثم لو تركه بنفسه عليه الصلاة والسلام لأنه غير واجب ، ولكن هو سنة في نفسه لفعله الصحابة أخذاً من فعله أو من قوله عليه الصلاة والسلام فلم يفعله -صلى الله عليه وسلم- ، ولم يدعو إليه ، ولم يأمر به، ولا فعله صحابته ، لا الخلفاء الراشدون ، ولا غيرهم ، ثم جاء القرن الثاني ، قرن التابعيين ، وكبار أتباع التابعين فلم يفعلوه ، وجاء بعدهم القرن الثالث فلم يفعلوه ، فدل ذلك على أنه بدعة ، لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وقوله : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وكان يقول في خطبته -عليه الصلاة والسلام- : (أما بعد : فخير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة). هكذا كان يقول في الخطبة -عليه الصلاة والسلام- في خطبته يوم الجمعة، -اللهم صلي عليه وسلم-، فلو كانت الاحتفالات بالموالد أمراً مطلوباً أو أمراً مشروعاً لما فات على أولئك الأخيار والسادة ثم حظي به ووفق له من بعدهم ، فإن القرون السابقة قد اشتملت على الحق ، ولا يمكن أن يكون الحق في غيرها، وتحرم هي من الحق، بل قال -عليه الصلاة والسلام- : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة). وهؤلاء القرون في هذه الطائفة في القرون الأولى ، القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث ، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- : (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم). الحديث.. فلا يجوز أبداً أن يعتقد أحد أن الحق يفوت هذه القرون الفاضلة العظيمة ثم يدركه ويحوزه من بعدهم ، هذا لا يقوله من يؤمن بالله واليوم الآخر . فالحاصل أن الاحتفالات بالموالد ، مولد النبي - صلى الله عليه وسلم- ، مولد الحسين ، مولد البدوي ، مولد فلان ، مولد البدوي، إلى غير ذلك كلها بدع لا أصل لها ، وإنما من أحدثها ، أحدثها في القرن الرابع وما بعده، كما ذكر ذلك صحيح الإبداع في مضار الابتداع ، وذكر أن الذين بدؤوا بإحداثها هم حكام مصر، الفاطميون ، وحكام المغرب ، الذين انتسبوا إلى آل البيت كذباً وليسوا منهم في شيء ، بل قال أبو العباس وابن تيمية شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- إن ظاهرهم ..... وباطنهم الكفر المحض. فالحاصل أنهم هم الذين أحدثوا هذا في القرن الرابع ثم أحدثه بعدهم أناس آخرون من الشيعة ومن غير الشيعة ، ممن ينتسبون إلى أهل السنة غلطاً وجهلاً، ولا ينبغي لعاقل أن يرتضى بهذا الأمر الذي فعله كثير من الناس. وهذه أيضاً المساجد تبنى على القبور ، والقباب توضع على القبور ، فهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر أن هذا شرع وأن هذا سنة وأنها قربة؟ هو بدعة منكرة، ومع ذلك وجد في الناس ، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقال -عليه الصلاة والسلام- : (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك). أخرجه مسلم في الصحيح. وقال جابر -رضي الله عنه- : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه). فأخبر جابر -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تجصيص القبور وعن البناء عليها ، وهي الآن تجصص ويبنى عليها وتوضع عليها القباب والمساجد ، فهل يقول من يعرف الحق أن هذا جائز أو أنه مشروع لأن الناس فعلوه ، بل هو بدعة ومن وسائل الشرك ولو فعله الناس. اتخاذ المساجد قبور والبناء عليها ، واتخاذ القباب عليها ، وتجصيصها ، كل هذا محرم ، كل هذا من وسائل الشرك ولو فعله الناس، كذلك كثير من الجهلة يأتون القبور المعظمة ويدعونها ويستغيثون بأهلها ويطلبون منها المدد ، هل يقول قائل أن هذا جائز؟ لأن الناس فعلوا هذا ، أو لأن كثير من الناس فعلوا هذا ، لا يقول هذا من يعرف الدين ، فإن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات وطلب المدد من الأموات هو فعل الجاهلية الأولى ، وفعل أهل الشرك المعروف سابقاً ، وهو من الشرك الأكبر ، ومع ذلك فعله كثير من الجهال عند القبور ، عند قبر الحسين ، وعند قبر غير الحسين ، وعند قبر البدوي ، وربما فعله بعض الجهال عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة فهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر أن هذا جائز ؟ أو أن هذا قربة ، أو أنه لا بأس به ، بل هو من الشرك ، ومن عبادة غير الله ، ومن عمل الجاهلية الأولى، وإن فعله الكثير من الناس ، فينبغي لكل مسلم أن يعقل هذا وأن ينتبه لهذا الأمر.