حكم التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: نحن مجموعة من المغتربين في الخارج، ويصلي بنا صلاة التراويح أحياناً أحد الإخوة، وعند دعاء القنوت يذكر بعض الألفاظ والجمل مثل: "إننا نتوسل بصاحب الوسيلة والشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"، فما حكم هذا العمل؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

الإجابة: لا يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من الأنبياء والصالحين، ولا يجوز أيضاً التوسل بجاهه ولا بغيره لأن ذلك بدعة لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (متفق على صحته)، وقال عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (أخرجه مسلم في صحيحه)، وإنما المشروع للمسلمين التوسل بمحبته صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتباع شريعته في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لقول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، وقوله جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، إلى قوله سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} الآية.

ولما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب النار الثلاثة الذين توسل أحدهم إلى الله ببر والديه، والثاني بالعفة عن الزنا بعد القدرة عليه، والثالث بأداء الأمانة، فأجاب الله دعاءهم، وفرج كربتهم، وهكذا التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة وذلك بأن يطلب منه المسلم أن يدعو له كما ثبت في الحديث الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر يوم الاستسقاء: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيُسقون"، وهذا توسل من الصحابة بدعاء النبي لهم في حياته، فلما توفي عليه الصلاة والسلام تركوا ذلك لعلمهم بأنه لا يجوز واستسقوا بدعاء العباس لأنه حي حاضر يدعو لهم ويؤمنون على دعائه.

وهكذا يوم القيامة يفزع المؤمنون إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ثم إلى عيسى، فكلهم يعتذرون، فيقول لهم عيسى عليه الصلاة والسلام: "اذهبوا إلى محمد عبد قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، فيأتونه عليه الصلاة والسلام فيسألونه أن يشفع لهم إلى الله حتى يريحهم من كرب الموقف، فيتقدم عليه الصلاة والسلام إلى ربه، ويسجد بين يديه، فيقول الله سبحانه له: "ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع"، فيرفع رأسه ويشفع عليه الصلاة والسلام، والأحاديث في هذا المعنى ثابتة ومتواترة، وهكذا يشرع التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته، لقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، والله ولي التوفيق.



مجموع فتاوى ورسائل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - المجلد الثاني عشر.