فصل قول المشركين إن عظمته تقتضي ألا يُتقرب إليه إلا بواسطة

السؤال: فصل قول المشركين إن عظمته تقتضي ألا يُتقرب إليه إلا بواسطة

الإجابة

الإجابة: فصل:

وأما قول المشركين:‏ إن عظمته وجلاله يقتضي ألا يتقرب إليه إلا بواسطة وحجاب، والتقرب بدون ذلك غَضٌّ ‏[‏أي:‏ وضعَ ونَقَص.‏ انظر:‏ مختار الصحاح، مادة:‏غضض‏]‏ من جَنابِه الرفيع، فهذا باطل من وجوه:

‏‏ منها:‏ إن الذي لا يتقرب إليه إلا بوسائط وحجاب، إما أن يكون قادراً على سماع كلام جنده وقضاء حوائجهم بدون الوسائط والحجاب، وإما ألا يكون قادراً، فإن لم يكن قادراً كان هذا نقصاً، والله تعالى موصوف بالكمال، فوجب أن يكون متصفاً بأنه يسمع كلام عباده بلا وسائط، ويجيب دعاءهم، ويحسن إليهم بدون حاجة إلى حجاب، وإن كان الملك قادراً على فعل أموره بدون الحجاب، وترك الحجاب إحساناً ورحمة كان ذلك صفة كمال.

‏‏ وأيضاً، فقول القائل:‏ إن هذا غَضٌّ منه، إنما يكون فيمن يمكن الخلق أن يضروه ويفتقر في نفعه إليهم، فأما مع كمال قدرته واستغنائه عنهم، وأمنه أن يؤذوه، فليس تقربهم إليه غضاً منه، بل إذا كان اثنان:‏ أحدهما:‏ يقرب إليه الضعفاء إحساناً إليهم ولا يخاف منهم، والآخر:‏ لا يفعل ذلك إما خوفاً وإما كبراً وإما غير ذلك، كان الأول أكمل من الثاني.‏

وأيضاً، فإن هذا لا يقال إذا كان ذلك بأمر المطاع، بل إذا أذن للناس في التقرب منه، ودخول داره، لم يكن ذلك سوء أدب عليه ولا غضاً منه، فهذا إنكار علي من تعبده بغير ما شرع.‏

ولهذا قال تعالى:‏‏{‏‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ‏}‏‏ ‏[‏الأحزاب:‏ 45، 46‏]‏، وقال تعالى:‏ ‏{‏‏ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ‏}‏‏ ‏[‏الشورى:‏21‏]‏.‏



مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - المجلد السادس.