حكم صوت المرأة فيما يسمى بالنشيد الإسلامي

السؤال: أنا منشدة فلسطينية، أنشد أناشيدَ وطنيةً عن وطني حبيبي الذي لم أره يوماً.. فهل النشيد بزيٍّ مُلْتَزِم أمام جمهور الرجال والنساء حرام؟ علماً بأني لا أُنشد أمام الرجال إلا ما ندر.. ولكني أشعر بِتَأَثُّرِهِم.

الإجابة

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن الأصل أن صوت المرأة ليس بعورة، ولا يَحْرُمُ سَماعُه ما لم يصاحِبه تليين وترقيق وتمطيط وتكسير وأمن الافتتان به؛ لقوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]، ولا شك أن ترقيق الصوت وتنغيمه بالأناشيد وترجيعها أبلغ في إثارة الفتنة وإيقاظ الغرائز من مجرد الخضوع في القول.

قال أبو حامد الغزالي في "الإحياء": "وصوت المرأة في غير الغناء ليس بعورة، فلم تزل النساء في زمن الصحابة رضي الله عنهم يكلمن الرجال في السلام والاستفتاء والسؤال والمشاورة وغير ذلك، ولكن للغناء مزيد أثر في تحريك الشهوة.

وللأستاذ سيد قطب كلام ماتع ذكره في الظِّلال - عند قوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]- يقول: "ينهاهن حين يخاطبن الأغراب من الرجال أن يكون في نبراتهن ذلك الخضوع الليِّن الذي يثير شهوات الرجال، ويُحَرِّك غرائزهم ويُطمِع مرضى القلوب، ويُهَيِّجُ رَغَائِبَهُم! ومَنْ هُنَّ اللواتي يُحَذِّرهن اللهُ هذا التحذير؟ إنهن أزواج النبيصلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، اللواتي لا يطمع فيهن طامع، ولا يَرِفُّ عليهن خاطر مريض، فيما يبدو للعقل أول مرة، وفي أي عهد يكون هذا التحذير؟ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصفوة المختارة من البشرية في جميع الأعصار.. ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول، وتترقق في اللفظ، ما يُثِيرُ الطَّمَعَ في قلوب، ويُهَيِّجُ الفتنةَ في قلوب، وأن القلوب المريضة التي تُثَارُ وتطمع موجودة في كل عهد، وفي كل بيئة، وتجاه كل امرأة، ولو كانت هي زوج النبي الكريم، وأم المؤمنين. وأنه لا طهارة من الدَّنَس، ولا تَخَلُّص من الرِّجس، حتى تَمْتَنِع الأسباب المثيرة من الأساس.

فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش اليوم فيه، في عصرنا المريض الدَّنِس الهَابِط، الذي تَهِيجُ فيه الفتن وتَثُورُ فيه الشهوات، وتَرِفُّ فيه الأطماع؟ كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيء فيه يُثِيْرُ الفتنة، ويُهَيِّجُ الشَّهوة وينبه الغريزة، ويوقظ السُّعَار الجِنْسِيِّ المحموم؟ كيف بنا في هذا المجتمع في هذا العصر، في هذا الجو، ونساء يَتَخَنَّثْنَ في نَبَراتِهِنَّ، ويَتَمَيَّعْنَ في أصواتهن، ويجمعن كل فتنة الأنثى، وكل هِتَافِ الجنس، وكل سُعَارِ الشَّهْوَةِ ثم يطلقنه في نبراتٍ ونغماتٍ!

وأين هن من الطهارة؟ وكيف يمكن أن يَرِفَّ الطُّهر في هذا الجو المُلَوَّث، وَهُنَّ بذواتهن وحركاتهن وأصواتهن ذلك الرجس الذي يريد الله أن يُذْهِبَهُ عن عِبَادِهِ المُختارين؟ {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوْفاً}.. نهاهن من قبل عن النَّبْرَةِ اللينة، واللهجة الخاضعة، وأَمَرَهُنَّ في هذه أن يكون حديثهن في أمور معروفة غير مُنْكَرَةٍ، فإن موضوع الحديث قد يُطْمِع مثل لهجة الحديث. فلا ينبغي أن يكون بين المرأة والرجل الغريب لحنٌ ولا إيماءٌ، ولا هَذَر ولا هزل، ولا دُعَابَة ولا مزاح؛ كي لا يكون مدخلاً إلى شيءٍ آخر وراءه من قريب ولا بعيد". انتهى.

لذلك؛ فإنا نرى أنه لا يجوز للمرأة أن تُنْشِدَ أمام الرجال الأجانب، ولا يجوز لهم هم الاستماع إلى إنشادِها، سواء كانت الأناشيد وطنية أو غيرها؛ لأن علة التحريم موجودة في أصل الإنشاد،، والله أعلم.