نصيحة عامة بمناسبة يوم الاستغاثة

السؤال: نصيحة عامة بمناسبة يوم الاستغاثة

الإجابة

الإجابة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول رب العالمين، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فبمناسبة عزم المسلمين في المملكة العربية السعودية على الاستغاثة يوم الاثنين الموافق 27 شوال 1386 ه رأيت أن أنبه إخواني المسلمين على أمور ينبغي لكل مسلم أن ينتبه لها، وأن يحاسب نفسه ويجاهدها على ما فيه صلاحها ونجاتها، وحصول ما أحبه الله منها، وسلامتها مما يضرها في الدنيا والآخرة، عملاً بقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} أمر الله عباده المؤمنين في هذه الآية الكريمة أن يتقوه عز وجل، وأن ينظروا ماذا قدموا للآخرة، حتى يستقيموا على ما ينفعهم ويرضي الله تعالى عنهم، ويحذروا ما يضرهم ويسخط الله عليهم، وهذه هي الفائدة العظيمة من النظر فيما قدمه العبد لآخرته.

وأوضح سبحانه أنه خبير بأعمال عباده، لا يخفى عليه منها خافية، ليحذروه ويخافوه، ويصلحوا بواطنهم وظواهرهم. وكرر الأمر بالتقوى، لكونها هي سبيل السعادة وطريق الإصلاح.

والتقوى هي طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، عن إخلاص لله سبحانه، وعن إيمان صادق بالله ورسوله، وبما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعن رغبة فيما عند الله من المثوبة، وحذر مما لديه من العقاب.

قال بعض السلف في تفسير التقوى: هي أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وهو أحد كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمائهم-: تقوى الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصي، ويُذكر فلا ينسى، ويُشكر فلا يكفر.

ثم إن ربنا عز وجل في الآية السابقة حذر عباده من مشابهة أعدائه في نسيانه سبحانه، والإعراض عن حقه حتى أنساهم أنفسهم، فأعرضوا عن أسباب نجاتها، وعن سبل سعادتها في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} ثم حكم على هؤلاء المعرضين الذين نسوا الله فأعرضوا عن طاعته، بأنهم هم الفاسقون، أي: الخارجون عن طاعة الله، المنقادون للهوى والشيطان.

فالواجب على كل مسلم أن يتقي الله عز وجل، وأن يستقيم على طاعته، وأن يحذر هواه وشيطانه وأن يتباعد عن مشابهة أعداء الله ورسوله المعرضين عن ذكره وطاعته، ليفوز بالنجاة والسلامة في الدنيا والآخرة.

ومن الأمور العظيمة التي يجب التنبه لها أن الله سبحانه أخبرنا في كتابه العظيم في مواضع كثيرة، أن ما أصاب العباد من المصائب المتنوعة كقسوة القلوب، وجدب الأرض وتأخر الغيث، ونقص الأنفس والأموال والثمار، وتسليط الأعداء، وغير ذلك من المصائب، كل ذلك بأسباب ما كسبه العباد من المعاصي والمخالفات، كما قال عز وجل: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ}، وقال تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك}، وقال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}، وقال تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقصٍ من الثمرات لعلهم يذكرون}، ولما أخبر عز وجل عن بعض الأمم الطاغية، وما أحل بهم من العقوبات قال بعد ذلك: {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}، وقال عن قوم نوح لما عصوا رسولهم نوحاً عليه الصلاة والسلام: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً}، والمعنى: من أجل خطيئاتهم عذبوا في الدنيا بالغرق، وفي الآخرة بإدخالهم النار، نعوذ بالله من حالهم.

وفي هذه الآيات الكريمات، وما جاء في معناها من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآيات الكريمات غيرها، الدلالة الظاهرة والبرهان القاطع على أن ما أصاب العباد من المصائب والسيئات التي لا يحصيها إلا الله، كل ذلك بكسبهم وذنوبهم، وما قدموا من الأعمال المخالفة للحق، لعلهم يتذكرون ويتعظون، فيتوبوا إليه سبحانه، ويرجعوا إلى طاعته، ويحذروا ما نهاهم عنه، ولهذا قال عز وجل في الآية السابقة: {ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}، والمعنى: أنه سبحانه قد يذيق العباد عقوبة بعض ما عملوا من السيئات، {لعلهم يرجعون} إلى طاعته والإنابة إليه والتوبة النصوح من سالف ذنوبهم، ولو يؤاخذهم بجميع ذنوبهم لهلكوا جميعاً، كما قال سبحانه: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابةٍ}، وقال في الآية الأخرى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقصٍ من الثمرات لعلهم يذكرون} والمعنى: أنه عاقب آل فرعون بالسنين، وهي الجدوب المتتابعة، مع نقص الثمرات، لعلهم يتذكرون أعمالهم السيئة، فيتوبوا إلى الله منها، ويرجعوا إلى طاعته، ويستقيموا على أمره، فيرد لهم ما كان شارداً، ويصلح لهم ما كان فاسداً، ويعمر قلوبهم بالتقوى، وينزل لهم الغيث من السماء، ويخرج لهم البركات من الأرض، كما قال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض}، وقال سبحانه: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} الآية، وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم} الآية، وقال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب} وقال أيضاً: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً}، وقال عز وجل: {ولقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}، وقال عز وجل: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً * لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً}، أخبر الله عز وجل في هذه الآيات المذكورات أن العباد إذا آمنوا بربهم، واستقاموا على طاعته، واتقوه عز وجل في جميع أمورهم، وتضرعوا إليه عند نزول المصائب، وحلول العقوبات، تضرع التائبين الصادقين، فإنه عز وجل يعطيهم ما طلبوا، ويؤمنهم مما حذروا، ويصلح لهم أعمالهم، ويغفر لهم ذنوبهم السالفة، ويخلصهم من المضايق، ويسقيهم من ماء السماء، وينزل لهم البركات في الأرض.

فيا معشر المسلمين، بادروا إلى تقوى الله عز وجل، وسارعوا إلى مراضيه، وجاهدوا نفوسكم لله عز وجل، وألزموها بالتوبة النصوح من سائر الذنوب، وحاربوا الهوى والشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، وشمروا إلى الدار الآخرة، وتضرعوا إلى ربكم عز وجل، وأكثروا من دعائه وذكره واستغفاره، يجب دعاءكم، ويصلح أحوالكم، وييسر أموركم، ويغثكم من فضله، ويكشف عنكم كل كربة، ويعصمكم من كيد أعدائكم، ويجركم من سوء في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل، وهو الصادق في وعده: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}، وقال سبحانه: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}، وقال عز وجل: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيطٌ}، وقال جل وعلا: {إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم}.

ومن القربات المناسبة في هذا الوقت، وفي كل وقت، رحمة الفقراء والمحاويج، والإحسان إليهم، فإن الصدقة من أعظم الأعمال التي يدفع الله بها البلاء، وينزل بها الرحمة، كما قال الله عز وجل: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، وقال تعالى: {إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين}، وقال سبحانه: {وأن تصدقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}، وقال عز وجل: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبيرٌ}، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل" ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون}، وقال عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من لا يَرحَم لا يُرحَم".

والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، ويعمر قلوبهم بالتقوى، ويصلح قادتهم، ويمن على الجميع بالتوبة النصوح من جميع الذنوب، والاستقامة على شريعة الله عز وجل في جميع الأمور، وأن يحفظهم من مكايد الأعداء، إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم.



مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - المجلد الثالث عشر.