حكم الزكاة للفقير وإن كان قويا

السؤال: هل هناك فرق بين مصارف الزكاة ومصارف الصدقة؟ وكيف أعرف أن فلاناً مستحق للزكاة أو الصدقة؟ وهل تجوز الزكاة أو الصدقة على الفقير وإن كان قوياً صحيحاً قادراً على الكسب؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالصدقة تطلق في الشرع مراداً بها الزكاة المفروضة؛ كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُ‌هُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} ﴿التوبة: ١٠٣﴾، وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَ‌اءِ وَالْمَسَاكِينِ} ﴿التوبة: ٦٠﴾، وقد تطلق مراداً بها صدقة التطوع كما في قوله تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَ‌اءَ فَهُوَ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ}‌ ﴿البقرة: ٢٧١﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: "تصدق الليلة على غني".
ومصارف الزكاة المفروضة هي الثمانية التي ذكرت في آية سورة التوبة، وأما الصدقة فمصارفها أوسع والتسامح فيها أكثر؛ وعلى الإنسان أن يجتهد في معرفة من يستحقون الصدقة، ويعمل بما يغلب على ظنه في ذلك؛ وقد جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلَّب فيهما البصر ورآهما جلدين (قويين) فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها (أي في الزكاة) لغني ولا لقوي مكتسب" [رواه أحمد وأبو داود والنسائي]؛ وإنما خيَّرهما الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن على علم بباطن أمرهما، فقد يكونان في الظاهر جلدين قادرين، ويكونان في الواقع غير مكتسبين، أو مكتسبين كسبًا لا يكفي.
واستدل العلماء بالحديث على أنه ينبغي لولي الأمر - أو رب المال - وعظ آخذ الزكاة الذي لا يعرف حقيقة حاله، وتعريفه أنها لا تحل لغني ولا قادر على الكسب أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رب المال أن يعمد بزكاته إلى أقاربه الأدنى فالأدنى لأنهم أولى من غيرهم، ولأنه أدرى بحالهم؛ ثم من بعدهم الجيران الأدنى فالأدنى، ثم سائر الناس.
والفقير الذي يستحق الصدقة عند جمهور العلماء هو الذي لا يجد الكفاية؛ فقد يكون موظفاً مثلاً لكنه لا يجد الراتب الذي يكفي ضروراته وحاجياته.
والأصل أن القوي القادر على الكسب لا يعطى من الزكاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصدقة: "لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي" [رواه أحمد وأصحاب السنن]؛ لكن ذلك مشروط بأن يجد العمل الذي يناسبه؛ فلا اعتداد بالقدرة الجسمانية واللياقة البدنية، ما لم يكن معها كسب يغني ويكفي؛ لأن القوة بغير كسب لا تكسو من عري ولا تطعم من جوع، قال النووي: "إذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت له الزكاة، لأنه عاجز".ا.ه
قال العلامة القرضاوي حفظه الله تعالى: "والخلاصة أن القادر على الكسب الذي يحرم عليه الزكاة هو الذي تتوافر فيه الشروط الآتية: 1
- أن يجد العمل الذي يكتسب منه.
2- أن يكون هذا العمل حلالاً شرعًا، فإن العمل المحظور في الشرع بمنزلة المعدوم.
3- أن يقدر عليه من غير مشقة شديدة فوق المحتمل عادة.
4- أن يكون ملائمًا لمثله، ولائقًا بحاله ومركزه ومروءته ومنزلته الاجتماعية.
5- أن يكتسب منه قدر ما تتم به كفايته وكفاية من يعولهم.
ومعنى هذا: أن كل قادر على الكسب مطلوب منه شرعًا أن يكفي نفسه بنفسه، وأن المجتمع بعامة - وولي الأمر بخاصة - مطلوب منه أن يعينه على هذا الأمر الذي هو حق له وواجب عليه، فمن كان عاجزًا عن الكسب لضعف ذاتي كالصغر والعته والشيخوخة والعاهة والمرض، أو كان قادرًا ولم يجد بابًا حلالاً للكسب يليق بمثله، أو وجد ولكن كان دخله من كسبه لا يكفيه وعائلته، أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها فقد حل له الأخذ من الزكاة، ولا حرج عليه في دين الله، والله تعالى أعلم.