فصل عن معاني الروح والنفس

السؤال: فصل عن معاني الروح والنفس

الإجابة

الإجابة: فصل:

ولكن لفظ ‏[‏الروح، والنفس‏]‏ يعبر بهما عن عدة معان‏:‏ فيراد بالروح الهواء الخارج من البدن، والهواء الداخل فيه، ويراد بالروح البخار الخارج من تجويف القلب من سويداه الساري في العروق، وهو الذي تسميه الأطباء الروح ويسمى الروح الحيواني، فهذان المعنيان غير الروح التي تفارق بالموت التي هي النفس‏.‏

ويراد بنفس الشيء ذاته وعينه كما يقال‏:‏ رأيت زيدًا نفسه وعينه، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ‏}‏‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 116‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏‏كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ‏}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 54‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ‏}‏‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 28- 30‏]‏، وفي الحديث الصحيح أنه قال لأم المؤمنين"لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزن بما قلتيه لوزنتهن‏:‏ سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته‏"‏‏، وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم "يقول الله تعالى‏:‏ أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم‏"‏‏‏.‏

فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء‏:‏ الله نفسه التي هي ذاته المتصفة بصفاته ليس المراد بها ذاتًا منفكة عن الصفات ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ‏.

‏‏ وقد يراد بلفظ النفس‏:‏ الدم الذي يكون في الحيوان كقول الفقهاء‏:‏ ‏[‏ما له نفس سائلة، وما ليس له نفس سائلة‏]‏ ومنه يقال‏:‏ نفست المرأة إذا حاضت، ونفست إذا نفسها ولدها، ومنه قيل‏:‏ النفساء، ومنه قول الشاعر‏:‏

تسيل على حد الظباة نفوسنا ** وليست على غير الظباة تسيل

فهذان المعنيان بالنفس ليسا هما معنى الروح، ويراد بالنفس عند كثير من المتأخرين صفاتها المذمومة، فيقال‏:‏ فلان له نفس، ويقال‏:‏ اترك نفسك، ومنه قول أبي مرثد‏:‏ رأيت رب العزة في المنام، فقلت‏:‏ أي رب، كيف الطريق إليك‏؟‏ فقال‏:‏ اترك نفسك‏.‏

ومعلوم أنه لا يترك ذاته وإنما يترك هواها وأفعالها المذمومة، ومثل هذا كثير في الكلام،يقال‏:‏ فلان له لسان، فلان له يد طويلة، فلان له قلب، يراد بذلك لسان ناطق، ويد عاملة صانعة، وقلب حي عارف بالحق مريد له، قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏‏ ‏[‏ق‏:‏ 37‏]‏‏.

‏‏ كذلك النفس لما كانت حال تعلقها بالبدن يكثر عليها إتباع هواها صار لفظ ‏[‏النفس‏]‏ يعبر به عن النفس المتبعة لهواها أو عن إتباعها الهوى، بخلاف لفظ ‏"‏الروح‏"‏ فإنها لا يعبر بها عن ذلك؛ إذ كان لفظ ‏[‏الروح‏]‏ ليس هو باعتبار تدبيرها للبدن.



مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء التاسع.