توجيه في العقيدة الصحيحة

لقد تعلمت في بلدي الحبشة بعض العلوم الدينية، ولكني لا أعلم صحتها، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة، إذ تتخللها بعض التهويمات الصوفية، أدركت هذا بعد قدومي إلى هذا البلد؟ أرجو توجيهي، جزاكم الله خيراً.

الإجابة

العقيدة أهم الأمور، وهي أصل الدين وأساس الملة، وهي التي بدأ بها الرسل -عليهم الصلاة والسلام- أممهم، وبدأ بها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أمته، فمكث في مكة بعد النبوة عشر سنين يدعوا إلى توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بأسمائه وصفاته، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق للعبادة، وإن كانت العرب تعرف أن الله رب العالمين وأنه خالقهم، ولكنهم يتخذون معه الأنداد والآلهة من الشجر والحجر والأصنام وبني آدم والجن وغير ذلك، ثم بين لهم -صلى الله عليه وسلم- أن العبادة حق الله وحده، وأن الواجب عليهم إخلاص العبادة لله وحده، وقال: (يا قومي قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)، فلما قال لهم هذا استنكروا ذلك، وأنزل الله في حقهم قوله -تعالى- عنهم أنهم قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ[ص: 5]، فالعقيدة هي أهم الأمور، وهي أساس الدين، فالواجب على طالب العلم أن يعتني بها حتى يتقنها على بصيرة، وحتى يعلمها على بينة. فالخلاصة في ذلك أن الذي عليه أهل السنة والجماعة هو الذي بعث الله به الرسل، وبعث به خاتمهم نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- هو الإيمان بالله وحده، وإخلاص العبادة لله -جل وعلا-، والإيمان بأنه المستحق للعبادة، ....... فلا يدعى إلا هو، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يتقرب بالذبائح والنذور إلا له -سبحانه وتعالى- إلى غير هذا من العبادات، كما قال -سبحانه وتعالى-: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء[البينة: 5]، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ[الإسراء: 23]، وقال -سبحانه-: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة: 5]، وقال -عز وجل-: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام: 162-163]، وهذه العبادة خلق الله من أجلها الثقلين كما قال -سبحانه-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 65]، المعنى أن يخصوني بالعبادة بالدعاء والخوف والرجاء والتوكل والصلاة والصوم الذبح والنذر ونحو ذلك، وبعث الله الرسل بذلك -سبحانه وتعالى-، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ[النحل: 36]، والطاغوت كل ما عبد من دون الله، قال -سبحان-: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأنبياء: 25]، فالتقرب إلى أصحاب القبور بالذبائح أو بالنذور أو بالدعاء أو طلب الشفاء أو المدد هذا من الشرك بالله -عز وجل-، وهو يناقض قول لا إله إلا الله، فالواجب على المسلمين أن يعبدوا الله وحده، ويخصوه بدعائهم، وخوفهم ورجائهم، وذبحهم ونذرهم، وصومهم وصلاتهم، ونحو ذلك. أما الأموات المسلمون يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، تزار قبورهم للذكرى، ذكر الآخر، ذكر الموت، وللدعاء لهم، اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، كان النبي يزور القبور -عليه الصلاة والسلام-، ويدعوا لهم بالمغفرة والرحمة، ويقول: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)، فعلم أصحابه أن يدعوا للأموات، ويستغفروا لهم، ويترحموا عليهم، لا أن يُدعوا مع الله، ولا أن يُستغاث بهم، ولا يطلب منهم المدد، لا، هم عاجزون عن ذلك، فهذا بيد الله -سبحانه وتعالى-، وفي حاجة إلى الدعاء لهم، في حاجة إلى أن يدعوا لهم أخوهم المسلم، ويستغفر لهم، كان يزور البقيع -عليه الصلاة والسلام- ويقول: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين غدا مؤجلون، وأتاكم ما توعدون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)، يدعوا لهم -عليه الصلاة والسلام-، هذا هو الواجب، وهذا هو المشروع في زيارة الموتى، الدعاء لهم الترحم عليهم، والاستغفار لهم، أما أن يطلب منهم المدد، المدد المدد يا فلان، هذا من الشرك الأكبر، أو يا سيدي اشف مريضي، يا سيدي البدوي، يا سيدي الحسين، أو يا فلان أو يا فلان اشف لنا مرضانا، أو المدد المدد، أو انصرنا، أو ما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، بل هذا من أنواع الشرك الأكبر، وهكذا إذا فعلها مع الأصنام أو مع الأشجار أو مع الجن كله شرك بالله -سبحانه وتعالى-، أما الحي فلا بأس أن يطلب منه ما يقدر عليه من الأمور العادية، الحي الحاضر القادر تقول: يا أخي ساعدني على كذا، أقرضني كذا، فكني من خادمك، آذاني خادمك أو زوجتك، انهاه عني لا تأذيه بكذا، خادمك آذى فلان، آذى جيرانكم حتى يمنعه من هذا ......، المعتاد لا بأس به بين الناس، وليس من الشرك، إنما الشرك طلب الأموات والاستغاثة بالأموات أو بالغائبين، إذا اعتقد فيهم سراً، وأنهم يسمعون من بعيد، يدعوهم يطلب منهم المدد، هذا هو الشرك الأكبر، أما حيٌ حاضر قادر تخاطبه في الأمور التي يقدر عليها، أو تكتب إليه أو بالهاتف بالتلفون تقول: أقرضني كذا، أو ساعدني في مزرعتي في كذا، أو بعني كذا، أو ماذا ترى في كذا، تشاوره في كذا، هذه أمور عادية بين المسلمين، ....... المسلمين بين الأحياء، سواءٌ كان من طريق المشافهة، أو من طريق المكاتبة، أو من طريق الهاتف التلفون، أو البرقية أو ما أشبه، هذا هذه أمور عادية ليس فيها بأس، إنما المنكر والشرك أن تدعوا الأموات، أو الأصنام الأحجار، أو الأشجار، تدعوهم تسألهم شفاعة، تسألهم الغوث المدد، أو الغائبين عنك الذين يسمعونك تعتقد فيهم أنهم يسمعونك وأن لهم سراً، أو يدعوا الجن أو ما أشبه ذلك، هذا هو المنكر، وهذا هو الشرك الذي أنكرته الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وأنكره النبيون -عليهم الصلاة والسلام-، وبعث الله الرسل بإنكاره والتحذير منه، نسأل الله أن يوفق المسلمين لكل خير، وأن يبصر المسلمين بما فيه رضاه، وأن يهدي جميع المسلمين للفقه في الدين. جزاكم الله خيراً.