الجماعة الثانية مشروعة لمن فاتته الجماعة الأولى

هل الصلاة في جماعة ثانية مشروعة وما الدليل عليها، وهل إذا أتى أحد والإمام في التشهد الأخير يجلس مع الإمام أم الأفضل انتظار الجماعة الأخرى، وهل يحسب له إذا جلس أجر الجماعة إذا أدرك الإمام في التشهد الأخير؟

الإجابة

الجماعة الثانية مشروعة، وقد تجب لعموم الأدلة إذا فاتته الجماعة الأولى، فإذا جاء الإنسان إلى المسجد وقد صلى الناس وتيسر له جماعة فإنه مشروع له أن يصلي جماعة ولا يصلي وحده، وقد يقال بالوجوب لعموم الأدلة، ومن الدليل على هذا أن رجلا جاء والنبي صلى الله عليه وسلم قد سلم من صلاته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من يتصدق على هذا فيصلي معه))، ولعموم الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، ومن قال إنها تختص بالأولى فعليه الدليل المخصص، ومجرد الرأي ليس حجة. ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاته في سوقه وفي بيته بخمس وعشرين ضعفا))[1]، فإذا فاتته الأولى ويسر الله جماعة في مسجد آخر أو في نفس المسجد، فمشروع له أن يصلي جماعة، وأما ما يروى عن بعض السلف أنه كان يرجع ويصلي وحده فهذا اجتهاد منه لا يحكم به على الشريعة. وثبت عن أنس رضي الله عنه كما في البخاري (أنه جاء ذات يوم والناس قد صلوا فجمع أصحابه فصلى بهم جماعة)، وأنس من الصحابة ومن الأخيار ومن المقتدى بهم، فالمقصود أن الأصل شرعية الجماعة هذا هو الأصل ولا يخرج عنه إلا بدليل. ثم من عمل السلف الصالح أنهم صلوا جماعة لما فاتتهم الجماعة الأولى، ونفس النبي صلى الله عليه وسلم شجع من عنده على أن يصلوا مع الذي فاتته الصلاة، حيث قال: من يتصدق على هذا فيصلي معه والمقصود بذلك حصول فضيلة الجماعة، وهذا الحديث حجة واضحة في هذه المسألة. وإذا جاء والإمام في التشهد الأخير فالأفضل أن يصلي مع الإمام؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا))[2]، فقوله صلى الله عليه وسلم: ((فما أدركتم فصلوا)) يعم الركعة الأخيرة ويعم التشهد ويعم ما هو أكثر من ذلك، فيصلي معه ما أدرك ثم يكمل صلاته، أما إدراك فضل الجماعة فإنه لا يحصل إلا بإدراك ركعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) رواه مسلم في صحيحه. لكن من كان معذورا بعذر شرعي فإنه لا يفوته فضل الجماعة، حتى لو فاتته الصلاة كلها، كالذي خرج مثلا يريد الجماعة ثم نزل به حدث فذهب يقضي حاجته ويتوضأ، فهو معذور، أو صده صاد في الطريق بغير اختياره فإنه معذور، وفضل صلاة الجماعة حاصل له وإن فاتته بسبب العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((إذا سافر العبد أو مرض كتب الله له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً))[3] ولقوله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: ((إن في المدينة أقواماً ما سرتم سيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم حبسهم العذر))[4]، وفي لفظ آخر: ((إلا شركوكم في الأجر))[5] قالوا: يا رسول الله وهم في المدينة؟ قال: ((وهم في المدينة حبسهم المرض)) فدل ذلك على أن المعذور حكمه حكم الحاضر، وحكمه حكم الفاعل؛ وهذا من فضل الله وإحسانه إلى عباده. [1] رواه البخاري في (الأذان) برقم (611)، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1034). [2] رواه البخاري في (الجمعة) برقم (857)، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (944). [3] رواه الإمام أحمد في مسند الكوفيين برقم (18848)، والبخاري في (الجهاد والسير) برقم (2774) واللفظ له، وأبو داود في (الجنائز) برقم (2687). [4] رواه البخاري في (المغازي) برقم (4071)، ومسلم في (الإمارة) برقم (3534). [5] رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (12409)، ومسلم في (الإمارة) برقم (3534).من برنامج ( نور على الدرب) - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الثاني عشر