حكم التوسل بجاه الله وجاه الأنبياء والصحابة

يقول السائل: سمعني أحد المؤمنين وأنا في دعاءٍ أطلب من الله عز وجل بعد الصلاة، فقلت: اللهم بجاهك، وبجاه محمد، وبجاه الصحابة الكرام أطلب أن تغفر لي وترحمني، فأخبرني: أن هذا الدعاء لا يجوز. أفيدوني عن صحة ذلك بارك الله فيكم؟

الإجابة

التوسل بجاه الأنبياء، أو بجاه الصحابة، بدعة لا يجوز، أما بجاه الله معناه: بعظمة الله فلا يضر، لكن بجاه النبي أو بجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الأنبياء، أو بجاه الصالحين، أو بحق الأنبياء، أو بحق الصالحين، هذا بدعة على الأصح عند جمهور أهل العلم وأجازه بعض أهل العلم، ولكنه قول ضعيف مرجوح، والصواب: أنه لا يجوز.

إنما التوسل يكون بأمور أخرى، فيكون بأسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[1]، فتقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تغفر لي، وأن ترحمني، وأن تعتقني من النار، وأن ترزقني الذرية الصالحة، إلى غير ذلك، أو تقول: اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم، بأنك الرؤوف الرحيم، بأنك السميع العليم، بأنك الجواد الكريم أن ترحمني وأن تغفر لي وأن تهب لي كذا وكذا، فهذا لا بأس به.

وهكذا التوسل بتوحيد الله، والإيمان به، تقول: اللهم إنني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، اللهم إني أسألك بأني أؤمن بك وأحبك وأخافك وأرجوك أن تغفر لي وترحمني، اللهم إني أسألك بتوحيدك وإيماني بك.

وهكذا بأعمالك الصالحة الأخرى بأن تقول: اللهم إنني أسألك بحبي لك ولنبيك، اللهم إني أسألك بابتعادي عما حرمت عليَّ, بعفتي عن الزنا, بأدائي الأمانة، ببري بوالدي.

فتسأل الله بأعمالك، كما جاء في قصة أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، وهم ثلاثة وسدت الباب عليهم ولم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فألهمهم الله هذا الخير، فدعوا الله بصالح أعمالهم؛ فتوسل أحدهم بأنه بار بوالديه، وأنه كان لا يغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، عندما يأتي بالحليب في الليل، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج.

ثم توسل الثاني بأنه كان يحب ابنة عمه حباً كثيراً، وأنها ألمت بها سنة، يعني حاجة، فجاءت تطلبه المساعدة، فأبى إلا أن تمكنه من نفسها، فمكنته من نفسها على مائة وعشرين ديناراً من الذهب، فلما جلس بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خائفاً من الله، وترك الفاحشة، وترك لها الذهب خوفاً من الله عز وجل، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً لكن لا يستطيعون الخروج.

ثم توسل الثالث بأدائه الأمانة، فكان عنده أجراء فأعطاهم حقوقهم إلا واحداً، بقي حقه عنده فنمَّاه له وثمَّره له، حتى صار منه إبل وغنم وبقر ورقيق, فلما جاء الرجل صاحب الأجر يطلب حقه، قال له: كل هذا من حقك، كل ما ترى من الإبل والغنم والبقر والرقيق كله من حقك، فقال الرجل: اتق الله ولا تستهزئ بي، قال: إني لا أستهزئ بك. إن هذا كله من مالك ثمَّرتُه لك، فاستاقها كلها، استاق البقر والإبل والغنم والرقيق، ثم قال الرجل: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا.

وهذا توسل بأعمالهم الطيبة الصالحة، فهذه هي الوسائل الشرعية.

أما التوسل بجاه فلان، وبحق فلان، وبذات فلان، فهذا بدعة، ومن وسائل الشرك، والواجب ترك ذلك، هذا هو الصواب من قولي العلماء في ذلك, والله المستعان.

[1] الأعراف: 180.