حكم دراسة اللغات الأجنبية

السؤال: ما حكم دراسة اللغة الفرنسية بالنسبة للمرأة إذا كانت ستدعو بها وتعمل بها في مجالات مفيدة؟

الإجابة

الإجابة: إن دراسة جميع اللغات هي من الأمور الجائزة، فاللغات نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان ومن ألطافه، فالإنسان مضطر لخطاب الآخرين والتفاهم معهم، والتفاهم إنما يكون عن طريق فعل يفعله الإنسان يتلقى بإحدى الحواس الخمس، والحواس الخمس ثلاث منها لا يمكن التفاهم عن طريقها، لا يمكن أن تستقبل، فمثلاً الشم لا يمكن أن يعرف به أغراض الإنسان لأن الإنسان ليس لديه من الروائح ما يعبر عن جميع مراده فلا يمكن أن يقع التفاهم عن طريق الشم بين الإنسان، وإن كان ذلك يقع بالنسبة لبعض الحيوانات كالنمل والنحل فتفاهمها يقع عن طريق الشم بإفرازات معينة، لكن لا يمكن أن يقع هذا في البشر.

كذلك اللمس فإن التفاهم به متعذر لأن الإنسان لو اتخذ من الآلات ما هو تعبير عن جميع الأفعال لامتلأ عليه بيته بالتعابير، فلم يستطع أن يحيط بكل ما يريد التعبير عنه، ومع ذلك فإن العميان اليوم قد أصبحوا يقرءون عن طريق اللمس بنظرية برايل، فبرايل اقترح تنقيطاً في الأوراق تثقيب للأوراق يلمسه الأعمى فيقرؤه يقرأ به الحروف، ولكن هذا من الحالات النادرة وهو مختص بموضعه فلا يتعداه.

ثم كذلك فإن الذوق لا يمكن أن يفهم به، لأن الطعوم قليلة محصورة فلا يمكن أن تعبر عن مراد الإنسان.

فلم يبق إذا إلا المتلقى عن طريق السمع والمتلقى عن طريق البصر، فالمتلقى عن طريق البصر يشمل الكتابة والإشارة، والمتلقى عن طريق السمع هو الكلام، لكن وجد أن الناس منهم عميان ومنهم صم، فالصم لا يمكن أن ينتفعوا عن طريق السمع، والعميان لا يمكن أن ينتفعوا عن طريق الإشارة أو الكتابة، لكن ازدادت نسبة العميان بالليل فالزمن ينقسم إلى ليل ونهار، فالليل تزداد به نسبة العميان فالناس لا يستطيعون التفاهم فيه عن طريق الرؤية، فكان التفاهم عن طريق الأذن إذن أولى من التفاهم عن طريق العين.

والتفاهم عن طريق الأذن يتم بالصوت والصوت أصله لا يكلف جهداً ولا عناء كبيراً لأن الإنسان يستنشق الهواء بأنفه وهو نقي، الأكسجين الذي يتنفس به الإنسان فيصل إلى رئتيه فيتردد في الدم فيرجع ملوثاً وهو ثاني أكسيد الكربون فيخرجه الإنسان فإذا أخرجه فالصوت هو عبارة عن ضغط على هذا الهواء الخارج في أي موضع من المواضع السبعة عشر وهي مخارج الحروف، فإذا ضغط عليه ضغطاً قوياً كان الحرف حينئذ من الحروف المجهورة، وإذا ضغط عليه ضغطاً خفيفاً كان الحرف من الحروف المهموسة، وإذا ضغط عليه ضغطاً متوسطاً كان الحرف من الحروف المتوسطة، وهكذا فمخارج الحروف سبعة عشر مخرجاً هي باعتبار الضغط على هذا الهواء الخارج من الرئة وهذا لا يكلف عناء ولا جهداً بخلاف الكتاب فهي تحناج مواد وأوراق وأقلام فكان النطق أسهل فكان نعمة من نعم الله ولطفاً من ألطافه، واللغات متفاوتة.

وقد علَّم الله آدم عليه السلام أسماء الأشياء كلها كما قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه علمه اثنتين وسبعين لغة، وهي أصول اللغات فأصول لغات العالم اثنتان وسبعون لغة، واليوم لغات العالم كثيرة جداً في الهند وحدها 460 لغة، في الهند وحدها 460 لغة، فضلاً عما سواها من اللغات في العالم، وتعلم هذه اللغات يزيد الإنسان فهما واستيعاباً للأمور، فلا حرج فيه بل إن الإنسان يزداد ثقافة كلما ازداد لغة وتعلمها.

ولذلك فإن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان له مائة غلام يكلم كل غلام بلغة تختلف عن لغة الآخر، له مائة غلام، كل غلام تعلم منه لغته فكان يكلمه بتلك اللغة، معناه أنه يتكلم بمائة لغة، وهذا من ذكاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن ثابت إلى اليهود يتعلم لغتهم لأنه لم يكن يأمنهم على القرآن فيخاف أن يحرفوا ويبدلوا، فتعلم زيد بن ثابت لغة اليهود.

فإذن جميع اللغات يجوز تعلمها شرعا وهو مرغب فيه سواء كان ذلك للرجال أو للنساء.

لكن يبقى فقط البحث في وسيلة التعليم، فوسيلة التعليم لابد من ضبطها ضبطاً شرعياً، وهذا الذي سبق ذكره فيما يتعلق بالدراسة في المدارس، فقد ذكرنا أن المدارس إذا كانت غير مختلطة ولا تدعو إلى كشف الحجاب وإزالته فيجوز للمرأة أن تتعلم فيها، وإذا كانت مختلطة فثمَّ سنٌ من الخطر على المرأة أن تخالط فيها الرجال وهي من التاسعة إلى أن تتجاوز الخامسة عشرة فهذه سن الخطر بالنسبة للنساء، وإذا كانت المدرسة تشترط خلع الحجاب كالحال في مدارس فرنسا اليوم بعد هذا القانون الجديد فلا يحل للمرأة أن تدرس فيها حينئذ إلا من ضرورة مخصوصة، ولا يجوز تعدي الضرورة لأنها تقدر بقدرها.

واليوم الحمد لله قد تيسر تعلم اللغات فأصبحت برامج في الكمبيوتر وفي الإنترنت هذه البرامج أيضاً كتب وأشرطة موجودة توزع، وهي دورات مكثفة تختلف باختلاف المستويات فيسهل جداً على الإنسان أن يتعلمها وهو زيادة خير له.

فلذلك ينصح الشباب بزيادة التعلم في اللغات وبالأخص اللغات التي يحتاجون إليها في أمور معاشهم وفي أمور دنياهم وحتى في أمور دينهم، فمثلاً أهل هذا البلد ينبغي أن يتعلموا اللغات الوطنية، فتعلم الشباب لها مفيد جداً لأنه يزيد لحمة أبناء هذا الوطن، ويزيد صلتهم، ويقتضي أن يستطيع الإنسان التعليم لجيرانه الذين لهم حق عظيم عليه، فإذا تعلم الإنسان اللغات المحلية: (الأولفية) و(البلارية) و(السنونكية) واستطاع أن يبلغ جيرانه ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى فيكون بهذا قد نفع وطنه وشارك في وحدة الصف والكلمة، ومثل ذلك اللغات العالمية المشهورة، وقد سئل أبو الأعلى المودودي رحمه الله عن مقومات الداعية المسلم، قيل له: ما مقومات الداعية المسلم؟ قال: هل تريدون شروطاً كثيرة أو شرطاً واحداً؟ قالوا: نريد شرطاً واحداً، قال: أن يتقن اللغة الإنجليزية.

فإذا أتقن الإنسان لغة من اللغات الحية العالمية من خلال إتقانها يمكن أن يقرأ كثيراً من الكتب وأن يطلع على كثير من واقع الشعوب وبذلك يتعلم ما نقصه علمه، وأيضاً يصل إلى خبرة من خلال تجربة الآخرين، فتجارب الناس اليوم مكتوبة، وبالأخص الإنجليز فكل كاتب يكتب مذكرات حياته، وتجاربه وما مر عليه من القصص والحكايات فيستفيد الإنسان بذلك أنماطاً من التربية وتجارب كثيرة، ومن هنا فإن كثيراً من الذين كتبوا تجارب حياتهم أفادوا الناس في التربية كثيراً، وهذا الأسلوب أخذ به أيضاً كثير من الدعاة المعاصرين اليوم، فمثلاً الشيخ علي الطنطاوي رحمة الله عليه كتب ذكرياته في ثمانية أجزاء، فكانت مفيدة جداً فيها قصصه وحياته المديدة الطويلة في الدعوة والعلم والتعلم، وكذلك الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمة الله عليه أيضاً فكتابه صفحات من صبر العلماء وجلدهم في الطلب كتاب فيه ذكرياته هو في طلب العلم ولقاء الناس وأنماط الشعوب وما يتعلق بذلك وفيه كثير من الأمور التي تقوي شخصية الدارس.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.