معنى قول المفتي والمؤلف (الله ورسوله أعلم)

علم الغيب يقتصر على المولى -عز وجل- دون سواه، وهناك آيات قرآنية تؤكد انفراد المولى -عز وجل- دون غيره بذلك، ولكن نجد في الكثير من الكتب عند اطلاعنا عليها أنه يُكتب في نهاية الحديث أو العبارة أو الصفحة الله ورسوله أعلم، فما معنى ذلك، هل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب في حياته ومماته أيضاً؟ نرجو من سماحتكم إجابتنا وإفادتنا، والاستدلال إذا أمكن بالقرآن الكريم؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

نعم مثلما ذكر السائل، علم الغيب إلى الله -عز وجل-، وليس عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا غيره علم الغيب، بل هو مختص بالله -عز وجل-، كما قال الله -سبحانه-: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ...[النمل: 65]، الآية من سورة النمل، وقال -سبحانه وتعالى-: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[لأعراف: 188]، هكذا في سورة الأعراف، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ[الأنعام: 59]، فالغيب عند الله -عز وجل-، مختص به -سبحانه وتعالى-، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ويعلم ما يكون في الآخرة وما في الجنة والنار، ويعلم الناجين من الهالكين، ويعلم أهل الجنة ويعلم أهل النار، ويعلم كل شيء -سبحانه وتعالى-، والرسل إنما يعلمون ما جاءهم به الوحي، ما أوحي الله به إليهم يعلمونه، كما قال -سبحانه وتعالى-: )عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ[الجن: 26-27]، فالله يوحي إلى الرسل ما شاء، كما أوحى إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- أشياء كثيرة من أمر الآخرة، وأمر القيامة وأمر الجنة والنار، وما يكون في آخر الزمان من الدجال ونزول المسيح، وهدم الكعبة، ويأجوج ومأجوج، وغير ذلك مما يكون في آخر الزمان، كل هذا من علم الغيب أوحى الله إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- فعلمنا إياه وصار معلوماً للناس، وهكذا ما يعلمه الناس من أمور الغيب عند وقوعه، في بلادهم أو في غير بلادهم، فيكون معلوماً لهم بعد وقوعه، وكان لا يعلم لهم قبل ذلك، أما ما يقع في كتب العلم الله ورسوله أعلم فهذا شيء يتعلق بأمور الشرع وأحكام الشرع، فمرادهم يعني في حياته يعلم هذه الأشياء -عليه الصلاة والسلام-، أما بعد وفاته فلا يعلم ما يكون في العالم، ولا يدري عما يحدث في العالم، لأنه بموته انقطع علمه بأحوال الناس -عليه الصلاة والسلام-، إنما يعرض عليه من الصلاة والسلام عليه حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (صلوا علي، فإن صلاتكم تعرض علي حيث كنتم)، وفي الصحيح: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام -عليه الصلاة والسلام-)، أما أمور الناس وحوادث الناس وما يقع منهم من أغلاط وظلم أو حسنات كل هذا لا يعلمه الرسول ولا غيره، ممن مات ولا يعلمه من يأت، وقد يعلمه من حولهم من حولهم من الناس لمطالعتهم إياه، ومشاهدتهم أعمالهم من جلسائهم وأهل بلادهم، فالمقصود أن علم الغيب لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى-، وما أوحاه الله إلى الرسل فهو من علم الغيب الذي أطلعهم عليه -سبحانه وتعالى-، هم أطعلوا الناس عليه وعلمه الناس، وقد صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (يذاد أناس عن حوضي يوم القيامة، فأقول: يا رب أمتي أمتي، وفي لفظ آخر يقول: أصحابي، أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثت بعدك، إنه لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ تركتهم)، فبين -صلى الله عليه وسلم- إنه لا يعلم، يقال له: لا تدري ما أحدثوا بعدك، وفي لفظ آخر: (يذاد أناس عن حوضي، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟ فيقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء قدير)، فهو صلى الله عليه وسلم إنما يعلم ما أوحاه الله إليه، وما كان عند الله من الغيب لا يعلمه سواه -سبحانه وتعالى-، وبعد موته لا يعلم حوادث الناس، اللهم صل عليه وسلم.