اتفاق المسلمين في صيام رمضان يدل على الوحدة

لو اتفق المسلمون على بدأ الصيام في يوم واحد، والفطر في يوم واحد، ويرون أن هذا من وحدة الصف، ومن وحدة المسلمين، هل يمكن أن يتحقق ذلك سماحة الشيخ؟ أرجو أن تتفضلوا ببيان وجه الحق في هذا.

الإجابة

العبادات ليست إلى البشر واختيارهم وآرائهم, العبادات توقيفية تلقاها المسلمون عن ربهم في كتابه العظيم, وعن رسوله الكريم -عليه الصلاة والسلام- وفي سنته الصحيحة, وليس لأحد أن يخترع شيئاً من كيسه فيجمع الناس على شيء لم يجمعهم الله عليه ولا ورسوله- عليه الصلاة والسلام-, فالله- جل وعلا- أمر رسوله أن يبلغنا متى نصوم ومتى نفطر, فعلى العباد أن يمتثلوا أمر الله ورسوله فقال- عليه الصلاة والسلام-: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة), وقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال, ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن خفي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين), وقال- عليه الصلاة والسلام-: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ثم صوموا ثلاثين أيضاً), فالمؤمنون هكذا معمدون من رسول الله-صلى الله عليه وسلم - بأن يتحروا دخول الشهر وخروجه, فإن ضبطوا شهر شعبان ثلاثين صاموا, وإن رؤي الهلال لليلة الثلاثين من شعبان صاموا, ثم بعد ذلك رمضان هكذا إن رأوا هلال شوال ثلاثين أفطروا وصار شهرهم تسعة وعشرين, فإن لم يروا في ليلة شوال صاموا ثلاثين هكذا أمرهم نبيهم- عليه الصلاة والسلام- والأمة كذلك في جميع الدنيا عليهم هذا الأمر عليهم أن يعملوا ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -, فإذا رؤي في بلد من بلدان المسلمين وصاموا بالرؤيا فقد تنازع العلماء في ذلك هل يلزم جميع أهل الأرض أن يصوموا بصومهم على قولين لأهل العلم: منهم من قال يلزم وذكره بعضهم وهو قول الجمهور أنه يلزم بقية المسلمين أن يصوموا, إذا ثبت في السعودية مثلاً, أو في مصر, أو في الشام أو في كذا, أ وفي كذا رؤية شرعية وجب على الباقين أن يصوموا معهم إذا ثبت ذلك من طريق محكمة شرعية معتمدة يوثق بها, وقال آخرون من أهل العلم لا يلزم ذلك بل لكل أهل بل رؤيتهم؛ لأن المطالع تختلف وتتباعد بعض الأحيان كما بين أمريكا والجزيرة العربية, وما بين أمريكا ومصر والشام وأشباه ذلك, واحتجوا على هذا بما ثبت في الصحيح صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قدم عليه كريب من الشام فسأله قال: (متى صمتم؟ قال: صمنا يوم الجمعة ، ورأى معاوية والناس الهلال وصام الناس ، قال ابن عباس: نحن رأيناه في المدينة ليلة السبت فلم نزل نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقال له كريب: ألا تكتفي برؤية معاوية والناس؟ قال: لا هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لنا: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) فابن عباس رأى أن الحديث لا يعم الدول كلها والبلاد كلها, وأن كل بلاد منفصلة عن بلاد وبعيدة عنها تختلف مطالعها فلها أن تستقل برؤية, وتابعوه على هذا جماعة من أهل العلم وقالوا بمثل قول ابن عباس, وقال الأكثرون القول هو قول من قال بالعموم لأن الأدلة عامة؛ لأنه قال - صلى الله عليه وسلم -: (صوموا) والخطاب للأمة ليس لأهل المدينة الخطاب للأمة كلها صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته, وهكذا قوله: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال) ليس المراد المدينة المراد الأمة, وقال-عليه الصلاة والسلام-: (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابع العشرة ثلاث مرات والشهر هكذا وهكذا وهكذا وكنس إبهامه في الثالثة يعني تسعاً وعشرين ثم قال: فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين), فهذه أخبار صحيحة صريحة ظاهرها العموم, ولكن الناس قد لا يثقون ببعض الدول في رؤيتها, وقد يتهمون بعض الدول بأنها تعتمد على الحساب والحساب لا يعتمد عليه عند جميع أهل العلماء, أجمع العلماء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان إلى أنه لا يعتمد بالحساب في الرؤيا حكى ذلك أبو العباس بن تيمية وجماعة, وحكا بعضهم خلافاً شاذاً في ذلك, فالحاصل أن الحساب لا يعتمد عليه بنص الرسول - صلى الله عليه وسلم -, فدعوى الناس أن الحساب ينبغي أن يعتمد عليه, وأنه متى ولد الهلال اعتمد ومتى لم يولد لم يعتمد هذا لم مصادم للسنة, ومصادم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنا أمتي أمية لا تحسب ولا تكتب) هذا يجب أن يطرح, وهو أن يعمل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (صوموا لرؤيته....) الحديث ، وقوله: (لا تصوموا حتى تروا الهلال), والنبي - صلى الله عليه وسلم - أنصح الناس, وأفصح الناس, وأعلم الناس, وأكملهم أمانة, فلو كان يجوز للناس أن يعتمدوا الحساب لقال إذا عرفتم الحساب وتبين لكم الحساب فاعتمدوه يعرف أن يقول هكذا, وهو أقدر الناس على الكلام-عليه الصلاة والسلام-, وهو مأمور بالبلاغ فقد بلغ البلاغ المبين-عليه الصلاة والسلام-, فلم يقل للناس احسبوا واعتمدوا الحساب إذا وجد فيكم من يحسب, ولا تزل الأمة أكثرها لا يعرف الحساب من شرقها إلى غربها, ثم لو عرفه نصفهم أو أكثرهم أو كلهم لم يجز لهم أن يعتمدوا؛ لأن عليهم الإتباع لا الابتداع, عليهم أن يتبعوا الرسول-صلى الله عليه وسلم - كما قال الله- عز وجل-: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا, وقال- سبحانه-: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ يعني يحيدون عن أمره أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ, ويقول-عز وجل-: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ, ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً, قال أهل العلم الرد إلى الله الرد إلى القرآن العظيم, والرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرد إليه في حياته- عليه الصلاة والسلام-, وبعد وفاته الرد إلى سنته الصحيحة في حياته كان يعمل بالرؤية فإن لم يرى أكمل الشهر, وبعد وفاته أرشدنا ماذا نعمل قال افعلوا كذا وافعلوا كذا, فالواجب على الأمة أن تمتثل أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -, وأن تقف عند الحد الذي حده, وأن تحذر خلاف ذلك, فإذا لم تقتنع الدولة المعينة برؤية الدولة الأخرى اعتمدت رؤيتها عندها وعلمائها عندها فتنظر ما يقوله العلماء عندها علماء الشرع وتعتمد على ذلك, ولو خالفت دولة أخرى؛ لأنها قد لا تقتنع برؤيتها قد تظن أنها أخطأت في رؤيتها أو الشهود أخطأوا فليس في إمكان الناس أن يجمعوا قلوب الناس وعقولهم على عقل واحد ورأي واحد هذا إلى الله- سبحانه وتعالى- فمن اطمأن إلى رؤية البلد أو الدولة صار معها قرب أو بعد, ومن لم يطمئن؛ لأن الدولة تحكم غير الشريعة ولا تحكم بالشريعة, أو لأسباب أخرى منعت من إتباع تلك الدولة فإنه يستقل ويعمل بما ثبت لديه من الرؤية ولو سبقت الدولة الأخرى أو تأخرت عنها في الصوم والفطر, فالأمر في هذا واسع والحمد لله ولا حرج على الناس في ذلك, ولا يضرهم اختلاف صومهم وعيدهم لا يضرهم في ذلك ماداموا متمسكين بالشرع مطالبين ما قاله الله ورسوله ومتمسكين بحكم الله ورسوله لا يضرهم ذلك والله ولي التوفيق. جزاكم الله خيراً ، معنى هذا أن سماحة الشيخ ابن باز يميل إلى الرأي القائل بأن لكل بلد رؤيته؟ نعم عند عدم التيسر الاجتماع, أما إذا تيسر الاجتماع واطمأن الناس إلى دولة يثقون بها ويطمئنون إليها فإنهم يجتمعون عليها, وعندي أن الدولة السعودية أولى الدول في هذا المقام؛ لأن المحاكم بحمد لله تعتني بهذا وتجتهد في توثيق الشهود ولا تعمل إلا بالرؤية, فإذا عمل الناس بما ثبت في السعودية فقد أحرزوا دينهم وقد احتاطوا لدينهم والحمد لله. بارك الله فيكم ، مع الأخذ بعين الاعتبار فارق الساعات التي قد يستمع إليها أهل الشرق أو أهل الغرب سماحة الشيخ؟ نعم ، لا بد من هذا متى اتفقوا معهم في ليله ولو في الجزء الأخير عمهم الأمر. بارك الله فيكم