الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الواجب على المسلم أن يَبْحَثَ عن عَمَلٍ حلال يَقْتَات منه هو ومن يَعُول، ولا يكون ذلك العمل فيه إعانة على معصية، فإنَّ السَّلامَةَ في الدين لا يَعْدِلُها شيءٌ، ومن رَتَعَ حول الحمى أوشَك أن يواقِعَهُ. "ومَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة فله أجرها، وأَجْرُ من عمل بها بعده من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء، ومَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عَمِل بها من بعده من غير أن يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شيء" (رواه مسلم).
واعلم -رعاك الله- أنَّكَ لن تَدَعَ شيئًا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرًا منه؛ كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في "مسند أحمد"، وقال الله عز وجل: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2 - 3]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
وروى أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا يَمْنَعَنَّ أحَدَكم رَهْبَةُ الناس، أن يَقُولَ بحق إذا رَآه أو شَهِدَهُ؛ فإنه لا يُقَرِّبُ من أَجَل، ولا يُبَاعِدُ من رِزْق أن يَقُولَ بحق أو يُذَكِّرَ بعظيم".
فامْضِ فيما نَوَيْتَ من وضع تلك اللاَّفِتَة التي تَمْنَعُ جلوس غير الرجال، وإن رغبت في جعل مكان خاص للعائلات فلا بأس بشرط أن تكون كل عائلة مفصولة بحاجز ساتر، ولا تَعْبَأ بِلَوْم غير مبني إلا على التحرج من مخالفة الإلف والعادة، والله سبحانه أَحَقُّ أن يُسْتَحَى منه.
وأما قولهم لكَ: "إنك تَسُدُّ جميع أبواب الرزق"، فليس هذا في مقدور أحد كائنًا من كان، فإن الله تعالى قد قَدَّرَ مقادير الخَلائِق قبل أن يَخْلُقَ السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ومنها الأرزاق. وقال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 22 – 23].
وكَوْنُ بعض أفراد المجتمع لا يَقْبَلُ بفصل الرجال عن النساء لا يَدُلّ على أن الجميع يرضون بمخالفة الشرع، ولا يصير الاختلاط مباحًا؛ بل الواجب على أهل الحق عموما النُّصْح للناس وتعليمهم، والصبر عليهم، لا أن يتركوا شيئا من أمر دينهم موافقةً للناس.
هذا؛ وننصح السائل الكريم بالبحث عن مشروع آخر؛ لأنَّهُ يصْعب عمليًّا تحقيق الشروط الشرعية في تلك الكافتيريا، ويتضح ذلك من تَأَمَّل حديث أبى سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِيَّاكُمْ والجُلُوسُ بالطُّرُقَات". فقالوا: "يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدّ نَتَحَدَّثُ فيها"، فقال: "إِذَا أَبَيْتُمْ إلاَّ المجلس فَأَعْطُوا الطريق حَقَّه"، قالوا: "ومَا حَقُّ الطريق يا رسول الله؟"، قال: "غَضُّ البصر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السلام، والأمر بالمعروف والنَّهْي عن المنكر" (مُتَّفَقٌ عليه).
ونسأل الله أن يُسَهِّل أمرك، ويُلْهِمَك رشدك، ويُقَدِّر لك الخير حَيْثُمَا كان، وأَنْ يَرْزُقَك من حيث لم تَحْتَسِب، وأن يَخْتَار لنا ولك ما فيه الخير آمين،، والله أعلم.