النهي عن التكفير

السؤال: ظهر في بلدنا مجموعة من الشباب تكفِّر المشايخ وتسب الآباء بدعوى الدعوة، فما هو موقف الشرع من هذه المسألة؟

الإجابة

الإجابة: إن تكفير المسلمين حرام وهو مغلَّظ شديد، وقد جاء فيه ثمانية أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تكفير المسلم كقتله"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لأخيه: يا كافر، فإن كان كما قال، وإلا حارت عليه" وفي رواية: "وإلا رجعت عليه".

وهذا نهيٌ شديدٌ عن التكفير وتغليظ فيه، والتكفير حكم قضائي، فالمسلمون فيهم فعلاً من يكفر ويرتد، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك سيقع ويكثر في آخر هذه الأمة فذكر أن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا، لكن الذي يحكم بذلك فيحكم بأن الإنسان قد فتن حتى ارتد عن الإسلام أحد شخصين:

إما القاضي الذي يحاكمه، فيدعوه حتى يقيم عليه الحجة ويثبت عليه الكفر، فيحكم بردته ويستتيبه ويقيم عليه شرع الله.

وإما العالم الذي من مهمته إزالة الشبهات عن الناس، فإذا عرضت شبهة في الدين يجب عليه حماية الدين منها لأنه راعٍ لدين الله مؤتمن عليه، فلذلك يجب عليه حينئذ أن يقيم الحجة على هذا الشخص، فإن كان هذا الشخص أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو كان وقع في ناقض من نواقض الإسلام المعروفة أو فعل فعلاً مقتضاه الكفر فإنه حينئذ يُخبر بكفره وانفصاله عن أهله، ويخبره بالمترتب على ذلك شرعاً، وليس له سلطة تنفيذ حتى يقيم عليه حد الردة، ولكن يخبره بهذا فقط.

وأما عوام الناس وسوادهم فليس من مهمتهم الكلام في هذا الباب أصلاً، ولا بد أن يُسد في وجوههم، فالتكفير أمر خطير ولا يمكن أن يحكم فيه إلا من كان من أهل العلم أو كان من أهل القضاء المتولين لذلك.

ومن هنا لا بد أن يَكُفَّ الناس ألسنتهم عن التكفير والتبديع والتفسيق بغير حق، ولا بد أيضاً أن يعلم بالمقابل أن هذه الأمة سيحصل فيها الكفر نسأل الله السلامة والعافية، وهو حاصل في كل العصور، فعصر النبي صلى الله عليه وسلم أشرف عصور هذه الأمة وقد حصلت فيه الردة عن الإسلام، وحصل فيه النفاق، وعصر الخلفاء الراشدين حصل فيه مثل هذا النوع، ومن هنا فإن كثيراً من الناس يريدون أن يقعوا في كل مكفر وناقض من نواقض الإيمان، ولكن إذا وصفوا بما فعلوا استكبروا عن ذلك وأنفوا منه، كأنهم يظنون أنهم قد وجدوا براءة من الكفر وعصمة منه أبداً، والمؤمن دائماً أبداً يخاف النفاق والكفر على نفسه، يخاف على نفسه من طرد الله له عن رحمته، فهو لا يأمن مكر الله، وهو خائف دائماً من الكفر ويستعيذ بالله منه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأعوذ بك لما لا أعلم"، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

فلا بد أن يكره الإنسان أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كراهة شديدة، وأن يحذره على نفسه كما كان عمر بن الخطاب يفعل فقد كان يقول لحذيفة: "أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو، هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟"، ولهذا قال ابن عون: "ما أمن النفاق إلا منافق، ولا خافه إلا مؤمن"، وكذلك قال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد يقول: إيماني على إيمان جبريل وميكائيل، وما منهم أحد إلا وهو يخاف النفاق على نفسه"، فما ينتشر اليوم في الناس من أمن الكفر وأمن النفاق وأمن الفتنة هو خطر عظيم على عقائدهم ومقتضٍ منهم للجسارة والجراءة على الوقوع في الشرك والكفر.

فلذلك لا بد أن يحذروا من الشرك والكفر لكن لا بد أن يكون ذلك أيضاً من غير تكفير ولا تفسيق إلا لمن اتصف بذلك... "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم"، وكان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومن عذاب القبر".



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.