الإجابة:
الحمد لله
أولاً :
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين قائمة على حسن العشرة ، والمودة
والرحمة . قال الله تعالى :{ وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) } الروم/21
.
وقال : { وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ} النساء/19 . وقال : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ} البقرة/228 .
وعلى هذا فينبغي لكل واحد من الزوجين أن يكون حريصاً على إرضاء الآخر
، وعدم فعل ما يغضبه أو يؤذيه . وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه
قال : أَقَامَتْ أُمُّ صَالِحٍ (زوجته) مَعِي عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا
اخْتَلَفْت أَنَا وَهِيَ فِي كَلِمَةٍ ! وقد شرع الله تعالى للزوجين
كلَّ ما يجلب المحبة والمودة بينهما ويقويها ، ونهاهما عن كل ما يضاد
ذلك . ولو علم الزوجان هذه القاعدة الشرعية في كيفية معاملة الزوجين
أحدهما للآخر ، لاستقامت الحياة ، وكانت كما أرادها الله عز وجل سكنا
ومودة ورحمة . فكل واحد من الزوجين مأمور شرعا بكل ما يجلب المحبة
ويقويها ، ومنهي عما يضاد ذلك . حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم
الرجل عن كثرة الصلاة والصيام إذا كان ذلك يضيع حق أهله روى البخاري
(1153) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ :"" قال لِي النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ
اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ ؟ قُلْتُ : إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ .
قَالَ : فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ ،
وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ
حَقًّا ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ." قوله : (
هَجَمَتْ عَيْنُكَ ) أي غارت أو ضعفت لكثرة السهر . قوله : (نَفِهَتْ)
أي كَلَّت .
ثانياً :
الصائم مأمور بحسن الخلق ، حتى أمره النبي صلى الله عليه وسلم إذا
قاتله أحد أو سبه أن لا يرد بالمثل ، وإنما يصبر ويكف نفسه ، ويقول :
إني صائم . روى البخاري (1894) ومسلم (1151) عن أبي هرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ""الصِّيَامُ جُنَّةٌ ،
فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ
شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ " . قال
النووي : (الرَّفَث) هُوَ السُّخْف وَفَاحِش الْكَلام . . .
وَالْجَهْل قَرِيب مِنْ الرَّفَث , وَهُوَ خِلاف الْحِكْمَة وَخِلاف
الصَّوَاب , مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل .
وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل
وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ , بَلْ كُلّ
أَحَد مِثْله فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ
. وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى باختصار .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : "" ليس الصيام من
الأكل والشرب ، إنما الصيام من اللغو والرفث ، فإن سابك أحد أو جهل
عليك فقل : إني صائم ، إني صائم ) ." صححه الألباني في صحيح
الجامع 5376 . واللغو هو الكلام الباطل . وقيل : ما لا فائدة فيه .
وروى البخاري (6057) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "" مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ
بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ
وَشَرَابَهُ.(" قال الحافظ : " َاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
هَذِهِ الأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْم . . .
قال السُّبْكِيّ الْكَبِير : ذكر هذه الأشياء في الحديث ينبهنا عَلَى
أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : زِيَادَة قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهَا .
وَالثَّانِي : الْبَحْث عَلَى سَلامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا , وَأَنَّ
سَلامَتَهُ مِنْهَا صِفَة كَمَالِ فِيهِ .
وَقُوَّة الْكَلامِ تَقْتَضِي أَنْ يُقَبَّحَ ذَلِكَ لأَجْلِ
الصَّوْمِ , فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ
بِالسَّلامَةِ عَنْهَا . قَالَ : فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا
نَقَصَ " انتهى من فتح الباري بتصرف واختصار .
ثالثاً :
حق الزوج على زوجته عظيم ، قال الله تعالى : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )}
البقرة/228 . وإن كان غضبه بسبب امتناعها عن فراشه ، كان إثمها أشد
وأعظم ؛ لما روى ابن خزيمة في صحيحه عن عطاء بن دينار الهذلي أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :"" ثلاثة لا
تقبل منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء ولا تجاوز رؤوسهم . . ذكر منهم :
وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه ) ." والحديث صححه
الألباني في صحيح الترغيب والترهيب) 485 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"" إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ
إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَات غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا
الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ )" رواه البخاري (3237) ، ومسلم
1436 . وإذا قصر أحد الزوجين في حقوق الآخر أو أغضبه كان ذلك سببا
لنقص صيامه . هذا ما لم يكن غضبه بغير حق ، فإن بعض الأزواج يغضبون
بغير حق ، وبعضهم يغضب لاستقامة المرأة وصلاحها ، فيكون مبطلا في غضبه
، نسأل الله العافية .