هل تلاوة القرآن والتصدق به إلى روح ميت يصله؟

السؤال: هل تلاوة القرآن والتصدق به إلى روح ميت يصله أم لا؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فتلاوة القرآن يصل ثوابها إلى الميت إن شاء الله -في قول جمهور أهل العلم- قياساً لها على الصدقة والحج والعمرة، وهي عبادات وردت النصوص بوصول ثوابها إلى الميت، والله تعالى أعلم.

وأما استدلال بعض أهل العلم بقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، فقد أجيب عنه بأن ذلك من طريق العدل؛ وأما من طريق الفضل فله ما سعى وما سُعِي له، أو أن اللام في قوله: {للإنسان} بمعنى: "على"؛ أي ليس على الإنسان إلا ما سعى، وأيضاً فإنه مخصوص بأن الميت ينتفع بثواب ما أهدي إليه من الصدقات والحج والعمرة والدعاء، فكذلك ينتفع بالقراءة.

قال الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع، وذلك باطل من وجوه كثيرة:
- أحدها: أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره، وهو انتفاع بعمل الغير.
- ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب؛ ثم لأهل الجنة في دخولها.
- ثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر في الخروج من النار، وهذا انتفاع بسعي الغير.
- رابعها: أن الملائكة يستغفرون ويدعون لمن في الأرض، وذلك منفعة بعمل الغير.
- خامسها: أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط -أي من المؤمنين- بمحض رحمته، وهذا انتفاع بغير عملهم.
- سادسها: أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم، وذلك انتفاع بمحض عمل الغير.
- سابعها: قال الله تعالى في قصة الغلامين اليتيمين: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} فانتفعا بصلاح أبيهما، وليس من سعيهما.
- ثامنها: أن الميت ينتفع بالصدقة عنه، وبالعتق، بنص السنة والإجماع، وهو من عمل الغير.
- تاسعها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت، بحج وليه بنص السنة، وهو انتفاع بعمل الغير.
- حادي عشر: المدين قد امتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة، وقضى دين الآخر على بن أبى طالب، وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو من عمل الغير.
- ثاني عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن صلى وحده: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه"، فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير.
- ثالث عشر: أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الغير، إذا قضاها عنه قاض، وذلك انتفاع بعمل الغير.
- رابع عشر: أن من عليه تبعات ومظالم، إذا حلل منها سقطت عنه، وهذا انتفاع بعمل الغير.
- خامس عشر: أن الجار الصالح ينفع في المحيا وفى الممات -كما جاء في الأثر- وهذا انتفاع بعمل الغير.
- سادس عشر: أن جليس أهل الذكر يُرحم بهم، وهو لم يكن معهم، ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له، والأعمال بالنيات، فقد انتفع بعمل غيره.
- سابع عشر: الصلاة على الميت، والدعاء له في الصلاة، انتفاع للميت بصلاة الحي عليه وهو عمل غيره.
- ثامن عشر: أن الجمعة تحصل باجتماع العدد، وكذا الجماعة بكثرة العدد وهو انتفاع للبعض بالبعض.
- تاسع عشر: أن الله تعالى قال لنبيه: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}، وقال تعالى: {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ..}، فقد رفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض، وذلك انتفاع بعمل الغير.
- تمام العشرين: أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل، فإنه ينتفع بذلك من يُخرِج عنه، ولا سعى له فيها".

ثم قال رحمه الله: "ومن تأمل العلم وجد انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فكيف يجوز أن تتأول الآية الكريمة، على خلاف صريح الكتاب والسنة، وإجماع الأمة".أ.ه.



نقلاً عن شبكة المشكاة الإسلامية.