وهل يصلح إطلاق كلمة إن الله سبحانه وتعالى مع خلقه بعلمه وبقدرته وإرادته

قرأت كثيراً في كتب التوحيد، فما إرشادكم للكتاب الجامع للأسماء والصفات، واعتقاد أهل السنة والجماعة، وهل يصلح إطلاق كلمة إن الله سبحانه وتعالى مع خلقه بعلمه وبقدرته وإرادته، وأقصد بذلك الباء، لأني أقول الباء تقتضي الملاصقة، أرجو التوجيه في هذه القضايا؟

الإجابة

أحسن كتاب وأشرف كتاب وأعظم كتاب في بيان أسماء الله وصفاته وحقه على عباده هو كتاب الله، هو القرآن العظيم، ليس بعده كتاب، هو أشرف كتاب وأعظم كتاب وخير كتاب وأعلى كتاب لمن أراد الحق، وليس فوقه كتاب، وفيه الهداية وفيه البيان وفيه الدلالة على كل خير، ثم سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة مثل ما في الصحيحين وما ثبت في السنن وغيرها من الأحاديث الصحيحة، فهي أيضاً العمدة في هذا الباب، ثم الاستعانة بكتب أهل العلم التي فيها الخير الكثير من السلف، ككتب الأئمة المعروفين، وموطأ مالك، ومسند أحمد، وغيرها لأنها كتب تروي الأحاديث الصحيحة، تروي الآثار عن السلف الصالح، ثم ما ألفه بعدهم العلماء في كتب الأسماء والصفات مثل (كتاب التوحيد) لابن خزيمة (كتاب السنة) لعبد الله بن أحمد (كتاب الدارمي) عثمان بن سعيد في الرد على بشر المريسي، وما أشبه ذلك من الكتب التي ألفت في السنة، كتب البيهقي وإن كان فيها بعض التأويل الذي وافق فيه الأشاعرة! لكنها في الجملة كتب مفيدة، لكن يجب التنبه لما فيها من بعض الخلل والتأويل، ومن أحسن الكتب المتأخرة كتب شيخ الإسلام بن تيمية، كتب ابن القيم والذهبي هؤلاء من خيرة العلماء في القرن الثامن وشيخ الإسلام أيضاً من أعيان القرن السابع فقد جمع بين القرنين فهو من أعيان الثامن والسابع جميعاً، أما ابن القيم والذهبي وأشباههم فهم من أعيان القرن الثامن وهم من أئمة الهدى فكتبهم فيها خير كثير، وهكذا أشباههم من أهل السنة كالحافظ ابن كثير وغيره وابن رجب، ومن المتأخرين شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، فإنه من أهل السنة، وممن ألف في السنة في القرن الثاني عشر، وهكذا تلاميذه وأتباعه: كالشيخ عبد الرحمن بن حسن صاحب (فتح المجيد) الشيخ سليمان بن عبد الله صاحب (تيسير العزيز الحميد) وكلاهما حفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهكذا كتب أئمة الدعوة الذي سلكوا مسلك الشيخ محمد في الدعوة إلى الحق، وفي إثبات أسماء الله وصفاته. والقاعدة في هذا أن كل من عرف بإتباع السنة وتعظيم السنة والسير على منهج السلف الصالح فهو الذي ينبغي السير على منهاجه والاستعانة بكتبه والثناء عليه وحث الناس على الاستفادة من كتبه، هكذا لا يختص بواحد معين، كل من عرف بأنه يعتني بالسنة ويعظم كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام ويَحذر كلام أهل البدع ويُحذِّر منه ويسير على منهج السلف الصالح فهو جدير بالاتباع وجدير أن يعظ على كتبه بالنواجد، سواءً كان شافعياً أو مالكياً أو حنفياً أو حنبلياً أو ظاهرياً أو لا ينتسب لأحد، وفق الله الجميع. - أيضاً يسأل عن القضية الأخيرة سماحة الشيخ وهي قضية المعيَّة فيما يبدو؟ ج/ نعم المعية حق وهذا الكلام هو كلام أهل السنة، الله مع عباده بالمعيَّة كما قال -تعالى-: ..وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ.. (4) سورة الحديد، وهو مع أوليائه أيضاً بالمعيَّة لكنها معصية خاصة تقتضي نصره لهم وحفظه لهم وكلاءته له كما قال سبحانه في حق موسى وهارون: ..إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) سورة طه، يعني بالنصر والتأييد والكلاءة وحمايتهما من شر فرعون، وقد فعل سبحانه، فقد تكلم على فرعون وناظراه وبينا له الحق ولم يخافا في الله لومة لائم، والله حماهما من كيده، وهكذا قوله سبحانه في حق محمد -صلى الله عليه وسلم-: ..لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا.. (40) سورة التوبة، لما كان في الغار مع صاحبه أبي بكر وهكذا قوله واصبروا إن الله مع الصابرين إلى غير هذا من آيات المعية، وليس في الباء شبهة، الله معنا بقدرته بعلمه ليس فيه شبهة المعنى أنه فوق العرش، فوق السماوات السبع، بائن من خلقه وهو معنا سبحانه بقدرته يعني أنه قادر علينا، يعني معنا أنه قادر علينا عالم بأحوالنا يرانا ولا يخفى عليه مكاننا، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، وهو معنا أيضاً بإحسانه إلينا وبكلاءته لأوليائه وبحفظه لهم، كما أنه مع الناس كلهم بالعلم والإحاطة والقدرة والتصرف سبحانه وتعالى. - إذاً الباء لا تقتضي الملاصقة كما يعبر أخونا؟ ج/ أبداً لا، كل مقام له مقال، (امسحوا برؤوسكم) له الملاصقة، سرت مع زيد ما يلزم منه الملاصقة سار معه وجنبه ولكنه لا يلزمه الملاصقة، سافرت مع زوجتي كذلك، سافرت مع فلان كذلك، أو سافرت بفلان، أو سافرت بصحبة فلان مثل مع فلان، لا يقتضي الملاصقة كل شيء بحسبه، سرت مع القمر أو سرت بالقمر سرت بالشمس يعني بالاستمتاع بها والانتفاع بها. أيضاً مع الفارق في التشبيه (ولله المثل الأعلى) سماحة الشيخ: فيما إذا قال فلان لأخيه أنا معك حيثما كنت؟ ج/ لا يلزم منه الملاصقة ولا المخالطة أبداً، فإذا كان هذا في حق المخلوق فالله أولى وأولى وأجل، ويقول الناس مثلاً في العهد الأول: فلان مع معاوية، يعني ميله مع معاوية ولو كان في الشرق أو في الغرب، وفلان مع علي يعني ميوله مع علي وفي مناصرة علي وإن كان ليس في الكوفة ولا معه في جيشه، ويقال: فلانة مع زوجها وفلان معه فلانة، وإن كان بينهما مسافات طويلة يعني في عصمته. هذا في جانب المتساويين أو في جانب إذا كان الكبير يميل إلى الصغير، فيما إذا كان مثلاً لنَقُل الراعي والرعية مثلاً؟ ج/ كذلك، الراعي مع الرعية والرعية مع الراعي كلها معية نسبية، وإذا جاز هذا في المخلوقين وفي بعضهم من بعض فيجوز في حق الخالق مع عظيم البينونة مع كون البينونة عظيمة، فالله لا يشابهه شيء، وهو سبحانه لا يخالط خلقه ولا يكون في خلقه شيء منه، ولا في خلقه شيء من ذلك، ولا في ذاته شيء من خلقه سبحانه وتعالى.