يأتي زمان على أمتي من لم يأكل الربا نال من غباره

السؤال: هل صحيح أن ما يلي حديث شريف وهو: "يأتي زمان على أمتي من لم يأكل الربا نال من غباره"؟

الإجابة

الإجابة: نعم ورد هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود به التحذير لا إقرار الواقع، كثير من الناس يستدلون به ويقولون: أمر الربا سهل ميسور لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيعم ومن لم ينل منه نال من غباره، فيقال: نعم، لكن جاء ذلك على وجه التحذير منه لا على وجه إقراره، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما حذرنا من ذلك لنأخذ منه العبرة والحذر، ولنعلم أن أكل الربا سبب للعنة وسبب لعدم استجابة الدعاء، وسبب لحرمان الإنسان من التوفيق للطاعات وسبب لحرب الله ورسوله، هذه أربعة أمور تترتب على أكل الربا.

فالذي يأكل الربا ملعونٌ على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك موكله فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"، وقال: "هم سواء"، وكذلك أكل الربا سبب لعدم استجابة الدعاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟"، وكذلك هو سببٌ لعدم التوفيق في الطاعات لقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، فهم بمثابة المجانين، تصرفاتهم غير مضبوطة.

وقد اختلف أهل التفسير في تفسير هذه الآية فقالت طائفة منهم: يقومون من المحشر أي عندما يحشرون من قبورهم يقومون يتخبطون كالمجانين، وذلك من عقوبتهم الأخروية، وقالت طائفة أخرى: بل تصرفاتهم في الدنيا كذلك، الذين يأكلون الربا في الدنيا لا يقومون في أمورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ونحن نشاهد هذا كثيراً، فتصرفات أهل الربا كثيراً ما تأتي عليهم بالوبال، فالربا في البداية ينفق السلعة، ثم بعد ذلك يمحقها، ثم بعد ذلك يحرق صاحبها، وكم من إنسان كان من أهل الثروة والغنى ولكنه اشتغل بالربا فمحق الربا ماله وأهلكه ولم يبق معه إلا الندم حيث لا ينفع الندم.

فلذلك لابد أن نحذر الربا حذراً شديداً وأن نحذر من كبيره وصغيره، لابد من الحذر من كل ذلك، ولا بد أن نعلم أننا قطعاً لا نقدر على حرب الله ورسوله، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} فهذا صريحٌ في التهديد بحرب من الله ورسوله لمن لم ينته عن أكل الربا، وهذه الحرب قطعاً لا يمكن أن يقوم لها أحد من البشر، لا أحد من البشر يستطيع القيام لحرب من الله ورسوله، ثم بعد هذا لا بد أن نعلم كذلك أن الله تعالى هو الذي يهب المال ويعطيه، وقد توعد بمحق الربا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}، وهذا المحق وعيد من الله سبحانه وتعالى بصيغة الخبر، أي أن الأمر قد حسم وقضي، فهو من عمل الأمس ليس من عمل الغد، يمحق الله الربا، هذا أمر متقرر قد رفعت الأقلام فيه وجفت الصحف، فالربا ممحوق يمحقه الله، وهذا يقتضي أن من يريد الربح من الربا غير رابح قطعاً، لا يمكن أن يربح، من يريد الربح من خلال أي صفقة ربوية فلا يمكن أن يربح بحال من الأحوال، كذلك لا بد أن نعلم أيضاً أن كثيراً من الناس ينظرون إلى ما يذكره الفقهاء في كتبهم من الصور التي كانت موجودة قديماً من صور الربا، فيظنون أن الربا انحصر فيها، ويقولون الذي يذكره الفقهاء هو بيع الأرز بالأرز متفاضلاً وبيع القمح بالقمح متفاضلاً واليوم لا يبيع أحد الأرز بالأرز والقمح بالقمح!! ويظنون أن العملات ليس فيها ربا!! وهذا يقتضي أن الربا لم يعد موجوداً أصلاً، وأنتم تعلمون أن هذا من أفسد ما يتصوره شخص، فهو فاسد في الشريعة بالكلية، فالربا باق وقد حذر الله منه ورسوله صلى الله عليه وسلم فلابد من الحذر منه واجتنابه والبعد عنه.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.