الإجابة:
الحمد للّه، عيسى عليه السلام حي، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: "ينزل فيكم
ابن مريم حكمًا عدلًا، وإمامًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير،
ويضع الجزية"، وثبت في الصحيح عنه: أنه ينزل على المنارة
البيضاء شرقي دمشق، وأنه يقتل الدَّجَّال.
ومن فارقت روحه جسده لم ينزل جسده من السماء، وإذا أحيى فإنه يقوم
من قبره.
وأما قوله تعالى: {إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ}، فهذا دليل على أنه لم يَعْنِ بذلك الموت؛ إذ لو
أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن اللّه يقبض
أرواحهم ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكذلك
قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ}، ولو كان قد فارقت روحه جسده لكان
بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء، أو غيره من الأنبياء.
وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن
شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ
مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا
قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ}
[النساء:157- 158]، فقوله هنا: {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ}
يبين أنه رفع بدنه وروحه، كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه؛ إذ
لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه، بل مات.
فقوله: {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ
إِلَيْهِ} يبين أنه رفع بدنه وروحه، كما ثبت في الصحيح أنه
ينزل بدنه وروحه.
ولهذا قال من قال من العلماء: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}: أي:
قابضك، أي: قابض روحك وبدنك، يقال: تَوَفَّيْتُ الحسابَ
واستوفيتُه، ولفظ التَّوَفِّي لا يقتضي نفسه تَوفِّي الروح دون البدن،
ولا تَوَفِّيهما جميعًا، إلا بقرينة منفصلة.
وقد يراد به توفي النوم كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا} [الزمر: 42]، وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ
وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} [الأنعام:
60]، وقوله: {حَتَّىَ إِذَا جَاء
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام:
61]، وقد ذكروا في صفة توفي المسيح ما هو مذكور في موضعه.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الرابع (العقيدة)