شيخنا نريد أن تخصص لنا محاضرة، نتكلم فيها عن بدايتك

السؤال: يا شيخنا نريد منك أن تخصص لنا محاضرة، نتكلم فيها عن بدايتك، كيف اهتديت متى كانت أول مرة درست فيها طلاباً، وعن بدايتك في طلب العلم؟

الإجابة

الإجابة: أما أنا لا أستحق أن يحاضر عني، ولا أن يذكر اسمي، وأقول هذا ديانة، والله لا أقول هذا تواضعاً وأعرف قدر نفسي.

وأما العلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {"من يرد الله به خيراً يفقه في الدين"} ونرجو الله عز وجل أن يرزقنا المزيد من فضله، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يجعل ما علمنا في صحيفة أعمالنا خالصاً لوجهه، وأن يجعلنا ممن يعيش بعلمه ويعيش الناس بعلمه، فالناس ثلاثة: رجل يعيش بعلمه، ورجل يعيش بعلمه ويعيش الناس بعلمه، ورجل يعيش الناس يعلمه وقد أهلك نفسه.

أقول، فقط من باب التحدث بنعمة الله أولاً، ثم فيه فائدة لكثير من طلبة العلم ثانياً، أقول: حقيقة وجدنا في وقت ونحن صغار، في أواخر السبعينات، لما كنا نطلب العلم، كنا نود لو نجد ولو طالباً يعلمنا أو يرشدنا، ما كنا نجد في المساجد من يجلس ويفقه ويعلم نجد ما تعلمون - ولا أريد أن أفصل- نجد القصاص والوعاظ الذين يخلطون الحابل بالنابل، والذين يصرخون على المنابر، والذين يشتمون ويلعنون، ولا يربون ويؤسسون ويعلمون.

فكان الواحد منا في الحقيقة، يتعب ولما يقرأ ولا يفهم لا يجد من يلجا إليه، وكم كانت الفرحة لما يسر الله عز وجل، وأن علمت أن الشيخ الإمام إمام هذا العصر في علم الحديث، أبو عبدالرحمن محمد ناصر الدين بن نوح الألباني، لما جاء الأردن في سنة 1978- 1979، وكان يتردد إلى الأردن، وأنا كنت في الثانوية، ومن الله علي فجلست في تلك الفترة في مجالسه ووجدت جنتي، وجدت رجلاً تعجب منه، له المهابة وعند بساطة؛ يعيش في حياة لا يعرف فيها إلا العلم، العلم يملأ وقته، وينشغل في ليله ونهاره، وفي حله وترحاله بالعلم.

ودخلت على مكتبة كان الشيخ ينزل فيها، وكم دعوت ربي أن أرزق مثلها، ولله الحمد مكتبتي الآن مثلها أو أحسن منها، وغبطت الشيخ غبطة عظيمة لما رأيت في المكتبة فرشة ووسادة، هذه غبطة عظيمة دخلت في نفسي، كان الشيخ رحمه الله يواصل الليل بالنهار، وكان لا يعرف الملل ولا التعب لما يعيش بين الكتب، حتى أنه لما كان يدخل في المكتبة الظاهرية كان ينسى نفسه، فكان يقول للقائمين على المكتبة: اخرجوا وأغلقوا علي الباب وارجعوا غداً، مما اضطرهم أن يبنوا له غرفة في المكتبة، فكان يسكن رحمه الله في السدة، وحدثني القائم على المكتبة العامة في حي الزاهر في مكة، قال: جاء الشيخ للعمرة، وكان بحاجة أن يراجع بعض المسائل، فدخل المكتبة العامة، وكانت زاخرة ومليئة بالكتب، قال: فدخل فانتهى الوقت، فقلت: يا شيخ نريد أن نغلق، قال: غلق علي وارجع غداً.

وهذا حقيقة أمر شاهدناه ولو لم يستفد من شيخنا شيئاً إلا حرصه على الوقت، وحبه للعلم، لكان في ذلك خير عظيم وفرق بين ما تسمع وبين ما ترى.

فحبب الله عز وجل إلي العلم من صغري وكنت أقرأ وأكثر من القراءة وقرأت أشياء لو أنها في عقلي وفي ذهني وذاكرتي وحفظي لم يكن هذا حالي، لكن كنت أقرأ وفي كثير من الأحايين لا أفهم، فكنت أجلس وأبكي وأقول: يا رب علمني، وكم سررت وفرحت لما قرأت في تفسير الألوسي، وكان قد نقل بعض الصفحات بتمامها، فيقول بعض أن نقل هذه الصفحات: (هل فهمت شيئاً؟ أما أنا فلم أفهم شيئاً) ففرحت لما قرأت مثل هذه العبارات.

فطلب العلم بحاجة إلى وقت وإلى صدق وإخلاص ويحتاج إلى تجرد ويحتاج إلى تفرغ، ويحتاج إلى وصل الليل بالنهار، ويحتاج إلى تعب، وإلى دعاء إلى الله عز وجل،وإلخ.

وما كنت أشرب زمزم لفترة طويلة في حياتي إلا ليعلمني الله عز وجل وما زلت جاهلاً وأسأل الله عز وجل أن يعلمني فهذا شيء مما عندي في الجواب على هذا السؤال.