خطبة للشيخ بعد صلاة الكسوف (2)

السؤال: خطبة للشيخ بعد صلاة الكسوف (2)

الإجابة

الإجابة: إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وأسأل الله في هذه الساعة العظيمة أن يجعلني وإياكم من أتباعه، ومن أنصار دينه، وممن يحشرون في زمرته إنه على كل شيء قدير.

أيها الإخوة ...
كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كسوفاً كلياً في التاسع والعشرين من شهر شوال من السنة العاشرة من الهجرة، وكان ذلك اليوم هو اليوم الذي توفي فيه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عند أهل الجاهلية عقيدة فاسدة أن الشمس والقمر ينخسفان إذا مات عظيم، أو ولد عظيم، ولما كسفت خرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يجر ردائه، فأمر المنادي ينادي: الصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون ذكوراً وإناثاً فصلى بهم صلوات الله وسلامه عليه صلاة لا نظير لها في الشريعة الإسلامية، صلاها كما صليناها الآن، ركعتين في كل ركعة ركوعان، وأطال فيها إطالة عظيمة حتى كان بعض الصحابة يسقطون من طول القيام، وهو صلى الله عليه وسلم ثابت، عرضت عليه الجنة، وعرضت عليه النار، ورأى أهلها يعذبون فيها، ولم ير منظراً أفظع من ذلك المنظر في ذلك اليوم؛ لأن كسوف الشمس والقمر ليس بالأمر الهين، إنه منذر بعقوبة من الله عز وجل، فلما فرغ من صلاته صلوات الله وسلامه عليه قام في الناس فخطب خطبة عظيمة بليغة، قال فيها: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى ذكر الله، وكبروا، واستغفروا، وتصدقوا، وصلوا"، بل أمر بالعتق، وهذا مما يدل على أنه حدث عظيم، وأنه ليس كما يظن الجاهلون مجرد حدث طبيعي، لا والله، هو لا شك أن له أسباباً طبيعية، لكن الذي خلق هذه الأسباب هو الله عز وجل، هو الذي خلق هذه الأسباب يخوف عباده حتى يرجعوا إلى ربهم عز وجل للقيام بطاعته وترك معاصيه، ونص النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة على أمر وقع فيه الكثير من الناس اليوم إلا من شاء الله ألا وهو الزنى، فقال: "يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله من أن يزني عبده أو تزني أمته"، والزنا يوجد الآن في بعض البلاد الإسلامية علناً، تعرض النساء الفتيات أنفسهن على الراغبين في الزنا، بل بلغنا أنه يعمل بالفتيان عمل قوم لوط، نسأل الله العافية، هذا وإن لم يكن موجوداً في بلادنا ولله الحمد، لكن وسائله موجودة: الإعلام الخبيث، الصحف الخبيثة، المجلات الخبيثة، الجرائد الخبيثة ترد إلى بلادنا من كل فج وفي كل حين، فيها مما يغضب الله عز وجل، ومما لا يرضى به العاقل فضلاً عن المؤمن، نسأل الله تبارك وتعالى أن يكفينا شره إنه كل كل شيء قدير.

وسائل الإعلام هدمت الأخلاق، لقد قيل لي: إنه يشاهد في بعض القنوات الفضائية، يشاهد ركوب الرجل على المرأة علناً عراة، أترون شيئاً أقبح من هذا؟! لا أقبح من هذا، ولذلك يا أخوان يجب أن نتعاون على القضاء على هذه الفتنة؛ لأنها والله إذا انتشرت بين فتياتنا وفتياننا فستنقلب الأمة إلى أمة بهيمية، أعداؤكم الكفار من اليهود والنصارى الذين بعضهم أولياء بعض لا يدعونكم إلى عبادة غير الله، لا يقولون اعبدوا اللات، اعبدوا العزى، اعبدوا مناة، اعبدوا هبل، لكن يدعونكم بهذه الوسائل الخبيثة التي تدمر أخلاقكم، وإذا دمرت الأخلاق دمرت عقائدكم؛ لأن الإنسان يصبح بهيميّاً ليس له إلا شهوة فرجه وبطنه، وهم أذكياء عندهم دراسة، درسوا علم النفس، ودرسوا علم الأخلاق، يعرفون ما لا تعرفون من هذه الأمور، إنهم يشعلون الشرر فتكون سعيراً.

ولكن مع الأسف أن بعضنا عنده من الغباوة، وعنده من الجهل، وعنده من ضعف الإيمان، وعنده ضعف في الشخصية مما جعله ذنباً لهؤلاء المستعمرين، وهم لم يستعمروا بلادنا استعماراً بالسلاح، ولكن استعمروا القلوب، وهذه من الأمور -أعني تولي مثل هؤلاء- من الأمور التي يعاقب عليها والتي ربما تكون من أسباب هذا الخسوف الكلي العظيم إنذاراً من الله عز وجل أن نستمر في معصيته وأن نغفل.

يا إخوان: الإسلام دين بارز يجب أن تكون له حريته، وأن لا يكون هذا خاضع لغيره: {قل هٰذه سبيلىۤ أدعو إلىٰ اللّه علىٰ بصيرةٍ أنا ومن اتّبعنى وسبحان اللّه ومآ أنا من المشركين}، ثم إني أوصيكم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومراعاة الأولاد وتأديبهم تأديباً حسناً؛ لأنه مسؤول عنهم، كما قال الله تعالى: {يٰأيّها الّذين ءامنوا قوۤا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النّاس والحجارة عليها ملٰئكةٌ غلاظٌ شدادٌ لاّ يعصون اللّه مآ أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته"، انظروا إلى أولادكم هل عندهم مجلات خليعة؟ هل يشاهدون أشياء غير طيبة؟ ماذا يعملون؟ من عنده شيء من هذه المجلات، أو الصحف التي فيها ما يحلل الأخلاق، ويفسد الأفكار فعليه أن يقوم بإحراقها وأن يشوهها.

أسأل الله لي ولكم السلامة، وأن يجعل أفعالنا خيراً من أقوالنا، وقلوبنا خيراً من ظواهرنا، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وآله وأصحابه أجمعين. غفر الله لنا ولكم.



مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله - المجلد الثالث عشر - كتاب صلاة الكسوف.