الأصل فيما يقع من المكلف من الجنايات

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ/ أ. ن. غ وفقه الله لكل خير، آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده: يا محب: وصل إلي كتابكم الكريم رقم: 920/2/1، وتاريخ 7/11/1389هـ- وصلكم الله بهداه- وما تضمنه من الإفادة عن كثرة قضايا القتل عندكم، وأن قسماً منها يَدعي أولياء القتيل أنها عمد، ويطالبون بالقصاص، وينكر المدَّعي عليه أن القتل وقع عمداً، ويعترف بوفاة القتيل بسببه عن طريق الخطأ، ولا توجد بينة تنفي أو تثبت ذلك. وأن بعض الورثة يعفو عن القصاص، ويطالب بالدية، وبذلك يسقط عنه القصاص لو ثبت عليه قتل العمد، ويطالب بقية الورثة بدية العمد، أو يحلف لهم عن عدم وقوع العمد، ورغبتكم في الإفادة عما إذا كان لهم ذلك، كان معلوماً[1].

الإجابة

لا يخفى على مثلكم أن الأصل فيما يقع من المكلف من الجنايات، هو أنه فعل ذلك عمداً، وإذا ادعى خلاف ذلك فعليه البينة التي تدل على صدق دعواه، ولو فتح هذا الباب لكل جَانٍ يدعي الخطأ، لحصل بذلك شر كثير وفساد كبير.

وبهذا يتضح لفضيلتكم أن القول في مثل هذا الأمر هو قول الورثة، إلا أن يقيم الجاني بينة تدل على صدق دعواه، أو توجد قرائن تشهد له بذلك.

أما إذا عفا بعض الورثة، فإنه يسقط القصاص بذلك، كما ذكر فضيلتكم، وكما نص عليه أهل العلم، ويكون للورثة دية العمد ما لم يثبت كون القتل خطأ، أو توجد قرائن تدل على ذلك، أو يرضى المكلفون من الورثة بيمين القاتل: على أنه خطأ لا عمد.

والصحيح: أن القاتل في مثل هذا يحلف؛ لأنه حق آدمي؛ فوجب أن يحلف عليه المدعى عليه إذا طلب المدعي ذلك؛ لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (لو يعطى الناس بدعواهم....)[2]. هذا ما ظهر لي في هذه المسألة ولكثرة المشاغل، وما في المسألة من الإشكال تأخر الجواب، وقد راجعت بعض المراجع المهمة، فلم أجد ما يزيل الإشكال، فإن وجدتم شيئاً فأرجو الإفادة به.

وأسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه؛ إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] صدر من سماحته بتاريخ 25/3/1390ه.

[2] أخرجه البخاري برقم: 4187، كتاب (تفسير القرآن)، ومسلم برقم: 3228، كتاب (الأقضية).