الهجر لمن يجاهر بالمعاصي

إنها فتاة في الثلاثين من العمر متزوجة من رجل ملتزم بالشرع والحمد لله والمنة على ذلك، تقول: ولكن مشكلتي هي: أن لي إخوان وأخوات يوجد في بيوتهم منكرات، وزوجي يقوم ويمنعني من زيارتهم، ويقول: لا يجوز لك أن تقومي بزيارتهم أو تذهبي إليهم، ويقول لي بأنه سمع من المشايخ أنه لا يجوز الذهاب إلى من لديهم منكرات في بيوتهم، ولا صلة لرحمهم في ذلك إلا بالتلفون؟ فوجهونا سماحة الشيخ.

الإجابة

لا شك أن وجود المنكرات في البيت إذا كانت ظاهرة غير مستورة يستحق أهلها الهجر، من أبدى المعاصي وأظهر المعاصي يستحق الهجر، إما سنة وإما واجب، اختلف العلماء هل الهجر سنة أو واجب؟، قال بعضهم: يجب إذا كان يترتب عليه ترك المنكرات، أما إذا لم يترتب عليه ترك المنكرات فهو سنة مؤكدة، وقال بعضهم: بل يجب مطلقاً، قد هجر النبي - صلى الله عليه وسلم- ثلاثة من الصحابة تخلفوا عن الغزو بغير عذر هجرهم خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم، وهجرهم الصحابة، فالذي يبدي المعاصي ويظهرها ولا يبالي يستحق الهجر، سواء كان أخاً أو عماً أو غير ذلك. وهكذا من يستعمل الدشوش على ما فيها من المنكرات يستحق الهجر، إذا كان يتساهل فيها ويرى ويشاهد فيها منكرات فلا شك أن هذا من المعاصي، وهكذا من يكون في بيته المعاصي الظاهرة من شرب الخمر ظاهراً، وتعاطي الزنا ظاهراً، وما أشبه ذلك ممن يتعاطى المعاصي الظاهرة يستحق الهجر، أما من يستتر ولا يبدي المعاصي بل يخفيها فأمره إلى الله -جل وعلا-، ولكن الحكم يتعلق بمن يظهر المعاصي، يقول ابن عبد القوي - رحمه الله – في هذا المعنى: وهجران من أبدى المعاصي سنةٌ وقد قيل إن يردأه أوجب وأكد وقيل على الإطلاق ما دام معلناً ولاقه بوجه مكفهر مربد فالمقصود أن إظهار المعاصي في البيت أو في الأسواق لا شك أن هذا منكر، فإذا كان .. عند الناس ولا يبالي بأن يراه الزوار وغيرهم فهذا يستحق الهجر، أما إذا كان لا يظهر منه ولا يدرى عنه بل هو مختف به فهذا أمره إلى الله جل وعلا، الله الذي يتولى حسابه - سبحانه وتعالى -، فالمرأة إذا كانت تراهم يظهرون المنكرات ويشاهدونها فلا حرج عليها أن لا تذهب إليهم خوفاً على دينها، وهكذا الرجل إذا كان إخوانه يضرونه أو أعمامه أو أخواله في مجالسهم فلا حرج أن يترك الذهاب إليهم، بل يشرع له ترك الذهاب إليهم وهجرهم، إلا إذا كانت الزيارة يترتب عليها النصيحة والتوجيه وإنكار المنكر؛ هذا طيب، إذا زارهم ينكر عليهم ويعظهم ويخوفهم من الله لعل الله أن يهديهم بأسبابه فهذا مطلوب، مشروع له أن يذهب إليهم للنصيحة والتوجيه، إلا الوالدين، فالوالدان لهما شأن، الوالدان لا، لا يهجر والديه، بل يزور الوالدين ويعتني بالوالدين وينصح الوالدين ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال - سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم في حق الوالدين: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (15) سورة لقمان، أمر أن يصحبهما بالمعروف وإن جاهداه على الشرك، لعل الله أن يهديهما بأسبابه، لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما، وقد اجتهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه مع أنه مشرك معلن بالشرك، ومع هذا اجتهد إبراهيم في دعوة أبيه عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن الوالدين لهما شأنٌ عظيم فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف في نصيحتهما وتوجيههما إلى الخير ويستعين على ذلك بمن يتيسر من أخوال أو إخوان أو أعمام أو غير ذلك لعل الله أن يهدي بأسبابه، ولهذا قال جل وعلا: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وهما كافران، هكذا الولد يعتني بوالديه ويصحبهما بالمعروف، وينفق عليهما إذا احتاجا إلى نفقته وأن يخاطبها بالتي هي أحسن لعل الله يهديهما بأسبابه.