الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا كان الشراء من هذه الشركة وأمثالها يتم دون قيود أو شروط تتنافى مع مقصد الشرع أو مقتضى العقد، ولم يصحبه غرض للمشتري يغلب على غرض الشراء - فلا نرى مانعاً من ذلك، سواء كان غرض المشتري المتاجرة في السلعة أو كان غرضه استعمالها.
أما إذا كانت نية المشتري جلب الربح من خلال العمل سمساراً للشركة -والعمل سمساراً للشركة لا يتم إلا بأن يشتري أولاً- فالذي نراه في هذه الحالة هو عدم جواز مثل هذا النوع من التسويق، وذلك لعدة أمور:
الأول: أن العميل يدفع المال لا لرغبته في السلعة، وإنما دفعه رغبة في ثمرة العمل سمساراً (على زعمهم) لدى الشركة، وهذه الثمرة قد تحصل وقد لا تحصل؛ لأنها مرتبطة بأمر مجهول وهو إحضار الزبائن للشراء، وجَني الأرباح من جراء شرائهم بواسطته.
وهذا هو القمار بعينه، لاشتماله على الغَرَر الفاحش الذي لا يغتفر مثله في الشريعة، فهو يدفع مالاً لا لغرض الشراء في ذاته؛ بل ليحصل على ربح قد يحصل بجلب الزبائن، وقد لا يحصل بعدم جلبهم.
فالمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ويدل على أنه إنما دفع ما دفع؛ رغبة في الحصول على هذه الثمرة لا رغبة في الشراء، أنه يشتريها في الغالب بأكثر من ثمنها الحقيقي، ويُعرف ذلك بالسؤال عن ثمن هذه السلعة أو مثلها، وهذا الذي اطلعنا عليه من خلال الواقع.
الثاني: ما في هذه المعاملة من الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إظهار المنتج وكأنه هو المقصود من المعاملة، والحال خلاف ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعمولات الكبيرة التي لا تتحقق غالباً، وهذا من الغش المحرَّم شرعاً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من غش فليس مني" (رواه مسلم في صحيحه)، وقال أيضاً: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما، محقت بركة بيعهما" (متفق عليه، عن حكيم بن حزام).
الثالث: العمل مع هذه الشركة يدعو إلى البطالة، والكسب بدون جهد، كما يؤدي إلى إثراء طائفة قليلة من المجتمع، مع إفقار أغلب طبقاته، والإسلام يهدف إلى رعاية المصالح العامة ولو تعارضت مع المصالح الفردية، ومن أجل ذلك حَرَّم تَلَقِّي الركبان، وبيع الحاضر للبادي؛ لأن ذلك يتعارض مع المصلحة العامة، وإن كان فيه مصلحة فردية.
وأما القول بأن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح، إذ السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس المنتج، ولهذا فإن المشترك يسوِّق لمن يُسوِّق لمن يُسوِّق، هكذا بخلاف السمسرة التي يُسوق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقة، فالفرق بين الأمرين ظاهر.
وأما القول بأن العمولات من باب الهبة فليس بصحيح، ولو سُلِّمَ فليس كل هبة جائزة شرعاً، فالهبة على القرض ربا، ولذلك قال عبد الله بن سلام لأبي بردة رضي الله عنهما: "إنك في أرضٍ، الربا فيها فاشٍ، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حِمل تبن أو حِمل شَعِير أو حِمل قَتٍّ فإنه ربا" (رواه البخاري في الصحيح).
والهبة تأخذ حكم السبب الذي وجدت لأجله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في العامل الذي جاء يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام: "أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟" (متفق عليه، عن أبى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ).
وهذه العمولات إنما وجدت لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أُعْطِيَت من الأسماء، سواء هدية أو هبة أو غير ذلك، فلا يغير ذلك من حقيقتها وحكمها شيئاً.
فإذا توفرت هذه المحاذير المانعة من هذه المعاملة فلا يجوز التعامل بها.
أما إذا خلت من تلك المحاذير وغيرها -مما يفضي إلى فساد العقد كالربا ونحوه- فلا نرى مانعاً من العمل بها؛ لأن الأصل في مثل هذا الإباحة وقد صَدَّرْنَا الجواب بصورة خالية من هذه المحاذير.
والذي يظهر من نظام الشركة المذكورة في السؤال، أنه ينطبق عليها كثير من المحاذير التي تمنع القول بإباحتها كغيرها من شركات التسويق الهرمي، التي صدرت فيها الفتاوى من اللجنة الدائمة وغيرها.
وأخيراً نقول: إن وسائل الكسب المحرم في هذا الزمان قد كثرت وانتشرت حتى صار الناس لا يميزون بينها وبين الحلال لقلة العلم بالدين، ولانهماك الناس في طلب الدنيا دون النظر إلى الطريق الذي يوصلهم إلى ذلك، وصار أرباب الأموال يتفننون في الحصول على الأرباح الطائلة، مهما كلف ذلك غيرهم من الخسارة؛ لأنهم لا يهتمون إلا بالربح فقط، ولا اعتبار للشرع عندهم وهذا مؤكد؛ حيث إن من وضع أسسها من غير المسلمين، وكيف لا؟ وهم الموصوفون بالظلم إضافة إلى الكفر، كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254].
ولا شك أن السؤال عن الحلال والحرام قبل الإقدام عليه، من الواجبات المحتمات على كل مسلم، لأن الله تعالى لم يُبِح إلا الكسب الطيب، ونهى عن أكل كل خبيث، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد وغيره، عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل جسد نبت من سُحت، فالنار أولى به".
كما أنه لا شك في أن مريد الآخرة لا بد أن يصبر عن متاع الحياة الدنيا، ويحرص على ألا يبيع دينه بدنياه،، والله أعلم.