زواج المعتوهة

السؤال: بالطلب المقيد برقم 174 سنة 1981 المتضمن أن المواطنة / ل م س فُحصت بواسطة دار الصحة النفسية بالخانكة، وجاء بالتقرير أنه يبدو عليها علامات التخلف الواضح، ولا تعرف اليوم ولا التاريخ ولا عدد أصابع يدها ولا المسائل الحسابية البسيطة فهي تجيب 3+5= 40، وبسؤالها عن أملاكها أخذت تخلط في كلامها ولا تستطيع أن تحدد شيئاً واضحاً، ويبين من هذا الفحص أن المذكورة مصابة بحالة نقص عقلي شديد، وهو نوع من العته، مما يجعلها غير قادرة على إدارة شئونها بالطريقة الصحيحة الواعية. وطلب السائل الإفادة عما إذا كان يحق لها -وهى بهذه الكيفية- مباشرة عقد زواجها بنفسها أو بواسطة وكيلها أو القيِّم عليها، وما الحكم إذا باشرته بنفسها من غير ولي أو قيِّم عليها.

الإجابة

الإجابة: الرقم المسلسل: 326.
الموضوع: (1183) زواج المعتوهة.
التاريخ: 04/06/1981م.
المفتي: فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق.

المراجع:
1- فقدان العقل أو نقصانه أو اختلاله إن كان مصحوباً بهدوء فهو العته، وإن كان مصحوباً باضطراب فهو الجنون.
2- إذا باشر المعتوه رجلاً كان أو امرأة عقد زواجه، كان عقده موقوفاً على إجازة وليه إن كان مميزاً، وإلا وقع عقده باطلاً ولا تلحقه إجازة الولي.
3- صاحب الولاية في ذلك هو القاضي، وله أن يستعين بأهل الخبرة في بيان وتحديد الحالة العقلية للأشخاص.
4- لا يجوز تزويج المعتوه إلا بولي نفسه أو القيم المأذون من القاضي، وإلا كانت الولاية للقاضى في تزويجه.

الجواب:
في كتب اللغة أن (عته) بفتح أوله وكسر ثانيه (عتها) بفتح الأول والثاني من باب تعب، بمعنى نقص عقله من غير جنون، أو بمعنى دهش وفى التهذيب المعتوه المدهوش من غير مس أو جنون، ودهش دهشاً من باب تعب، ذهب عقله حياء أو خوفاً.

والإنسان قد يولد مجرداً من العقل، كمن يولد فاقداً حاسة البصر، وقد يولد ومعه عقله، لكن يعترضه ما يوقف العقل عن سيره في أول أدوار حياته، أو بعد ذلك بقليل أو كثير من الزمن، وقد يولد سليم العقل، ويساير عقله جسمه في النمو حتى يبلغ رشيداً، ثم يعتريه مرض يذهب بالعقل كله أو بعضه، أو يذهب به في بعض الأزمنة دون بعض.

وقد تردد في كتب الفقه وأصوله لفظان يصفان حالة الإنسان الذي يكون بهذه الحال، الجنون والعته، لكن الفقهاء لم يبينوا أهما حقيقة واحدة يندرج تحتها نوعان، أو هما حقيقتان متغايرتان؟

وفى معنى العته، قال الزيلعي في كتابه (كتاب الحجر ص 191 ج - 5 طبعة أولى بولاق 1315 هجرية وذات الموضع في الفتاوى الهندية ج - 5 ص 54 وما بعدها والدر المختار ورد المحتار لابن عابدين ج - 5 ص 136 وما بعدها والهداية وتكملة فتح القدير والعناية ج - 7 ص 309 وما بعدها):تبين الحقائق شرح كنز الدقائق - واختلفوا في تفسيره اختلافاً كثيراً، وأحسن ما قيل فيه أنه هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون.
وبهذا يفترق العته عن الجنون، إذ الأخير موجب لعدم العقل، أما الأول فموجب لنقصانه، وبذلك يمكن القول إن فاقد العقل، أو ناقصه أو مختله، سواء أكان هذا الوصف ثابتاً لاصقاً به من أول حياته أو كان طارئاً عليه بعد بلوغه عاقلاً إن كانت حالته حالة هدوء فهو المعتوه في اصطلاح الفقهاء، وإن كانت حالته حالة اضطراب فهو المجنون.

والمعتوه بهذا الوصف قسمان: مميز وغير مميز، فإن كان مميزاً فحكم تصرفاته حكم الصبي المميز، وإن كان دون ذلك كانت أحكامه أحكام الصبي غير المميز.

وجملة أحكام الصبي في العقود والتصرفات أنه إذا كان غير مميز، بأن كان دون سن السابعة من عمره لا ينعقد شيء من تصرفاته، أما إذا كان مميزاً بأن بلغ هذه السن فما فوقها دون البلوغ كانت تصرفاته على ثلاثة أقسام:

- الأول: أن يتصرف تصرفاً ضاراً بماله ضرراً ظاهراً كالطلاق والقرض والصدقة، وهذا لا ينعقد أصلاً، فلا ينفذ ولو أجازه الولي.
- الثاني: أن يتصرف تصرفاً نافعاً نفعاً بيّناً كقبول الهبة، وهذا ينعقد وينفذ ولو لم يجزه الولي، وكإجارته نفسه للعمل بأجرة مثله وعمله فعلاً فيما استؤجر عليه.
- الثالث: أن يتردد بين النفع والضرر كالبيع والشراء، باحتمال كون الصفقة رابحة أو خاسرة، وهذا القسم ينعقد موقوفاً على إجازة الولي، وليس للولي أن يجيزه إذا كان في الصفقة التي عقدها الصبي المميز غبن فاحش، ومثل هذا عقد الزواج، حيث يتوقف على إجازة الولي أو إذنه.

ويجرى فقه الإمامين مالك وأحمد -في الجملة- على نحو هذه الأحكام، أما فقه الإمام الشافعي فلم يعتدَّ بتصرف الصبي سواء كان مميزاً أو غير مميز فلا تنعقد منه عبارة، ولا تصح له ولاية، لأنه مسلوب العبارة والولاية لما كان ذلك وكان من شروط صحة عقد الزواج ولزومه ونفاذه بترتب آثاره عليه -أن يكون كل من العاقدين كامل الأهلية (بالغاً عاقلاً)- فإذا باشر المعتوه -رجلاً أو امرأة- عقد زواجه كان عقده موقوفاً على إجازة وليه إذا كان مميزاً، أما إذا كان غير مميز وقع عقده باطلاً ولا تلحقه إجازة الولي - كالصبي تماماً في أحكامه المتقدمة.

وإذا كان ذلك فإذا كانت المسئول عنها قد بلغ العته بها درجة إسقاط التمييز، لم يجُز لها أن تباشر أي تصرف، ومن ذلك عقد تزويج نفسها، فإذا باشرته وهى غير مميزة وقع العقد باطلاً، والأمر في هذا إلى القاضي صاحب الاختصاص، لأنه لا ينبغي أن يُبتَّ في أمر ضعيف العقل ومختله، إلا بعد أن يُمتحن ويُتحرى حاله، وصاحب الولاية في هذا هو القاضى، وله أن يستعين بأهل الخبرة في تبيان وتحديد حالة المسئول عنها العقلية، فإذا ظهر أنها غير مميزة قطعاً، كان عقد زواجها الذي باشرته باطلاً لا يجيز معاشرتها كزوجة شرعاً، ويعتبر من يعاشرها بمقتضى هذا العقد زانياً، والقاعدة الموضوعية للقضاء في هذا أرجح الأقوال في فقه الإمام أبى حنيفة، إمضاءً للمادتين 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 والسادسة من القانون رقم 462 سنة 1955 وذلك لخلو التشريع الخاص (القانون رقم 119 سنة 1952) من النص على هذا الحكم.

هذا ولا يباشر تزويج المعتوه سواء كان مميزاً أو غير مميز إلا ولى نفسه شرعاً، الأب ثم الجد لأب ثم باقي العصبة بترتيب الميراث أو القيم الذي يأذنه القاضي المختص بالتزويج، أو ذات القاضي صاحب الولاية في أمور عديمي الأهلية، والله سبحانه وتعالى أعلم.



من فتاوى دار الإفتاء المصرية.