في رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم

ادعى بعض الناس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأنه عليه الصلاة والسلام قال له: إنه خجلان في قبره؛ لأن الحرب لم تتوقف بين إيران والعراق، وقال آخر: إنه رآه عليه الصلاة والسلام وقال له: سوف تستمر الحرب ستة وثلاثين شهراً، وها قد مضى على الحرب الآن أربع سنوات، فما حكم الشرع في مثل هذه الرؤى التي فيها ما يخالف الواقع

الإجابة

كثير من الناس يدعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو إما كاذب وإما أنه لم يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن أنه الرسول وليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)، فمن رآه في صورته عليه الصلاة والسلام فقد رآه، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق، لكن هذه المرائي تعرض على ما علم من الشرع، فإن وافقت ما علم من الشرع فهي حق، وإلا فهي تلبيس على صاحبها، ملبس على صاحبها،لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما خيّل له وظن أنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هو الرسول، فقد يراه بعض الناس في صورة شاب أمرد، وقد يراه بعض الناس في صورة شيبة قد ابيض شعره، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان قصير، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان طويل، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان أسود اللون، وقد يراه بعض الناس في صورٍ أخرى، وهذا ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم، الرسول ربعة من الرجال، أبيض اللون، مشرب بحمرة عليه الصلاة والسلام، من أجمل الرجال عليه الصلاة والسلام، شعره أسود ليس فيه إلا بياض قليل، شعرات قليلة من الشيب، وليس عليه مثل لباسنا غترة وما أشبهها، لا، كان يلبس العمامة عليه الصلاة والسلام، ويلبس القميص والرداء عليه الصلاة والسلام، فلا بد في الرائي أن يكون رآه على صورته المعروفة، وإلا فهو ما رآه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)، ما قال: لا يتمثل بي، قال: (في صورتي)، فدل ذلك على أنه إذا رآه الإنسان في غير صورته فليس هو النبي عليه الصلاة والسلام. ثم إذا رأى رؤيا لا بد أن تعرض على ما جاء به الشرع، إن كانت تتعلق بالأحكام والعبادات، تعرض على الشرع، فإن خالفت الشرع فليس هو النبي عليه الصلاة والسلام، وأما ما يتعلق بالحروب، أو ما يتعلق بأمور الناس، إذا رأى أن الرسول قال له كذا أو قال له كذا، شيء لا يتعلق بالعبادات والأحكام فهذا قد يكون رآه وقد لا يكون رآه، وقد يكون رآه ولكن هذه الرؤيا لها معنىً لم يفهمه الرائي، أو لم يفهمه المعبر، فتأويل الرؤيا يختلف والناس فيه على أقسام، منهم من يعلم التأويل، ومنهم من لا يعلم التأويل، ومنهم من يخطئ كثيراً في التأويل، فلا ينبغي للعاقل أن يجزم بالتأويل إلا على بصيرة، بعد عرضها على أهل العلم والبصيرة الذين قد عرفوا التأويل للرؤيا وعبروها، وكانوا معروفين بها، مشهود لهم بهذا الشيء، وإلا فليمسك، ولا يعجل في الأمور، ولا يؤولها بغير ما يؤولها به العلماء العارفون بهذا الشيء. فالحاصل أن هذا محل نظر ومحل تفصيل ينبغي للرائي أن لا يعجل في تفسير رؤياه في ما لا يعلم، وأن لا يعرضها إلا على أهل العلم والبصيرة. وقوله: (خجلان) ليس من لغة النبي صلى الله عليه وسلم، هذه من لغة العصر، فهذا دليل على أنه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما رأى غيره، ثم هو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، والوحي قد انقطع، فهو لا يعلم الغيب في حياته، وإنما يعلم ما أوحى الله إليه، وبينه له سبحانه وتعالى، وما لم يأت به الوحي لا يعلمه عليه الصلاة والسلام من أمور الغيب، فهو لا يعلم شأن الحرب التي بين العراق وبين إيران، والوحي قد انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام، هذا من أجل الدلائل على أن هذه الرؤيا مكذوبة وليست من النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من بعض الشياطين الذين تراءوا للرجل القائل، أو أنه كاذب في الرؤيا ولم ير شيئاً، والله المستعان.