طلاق المرأة الحائض

سمعت فتوى بعدم اعتبار طلاق المرأة وهي حائض، ولكنني قرأت أن ابن رجب الحنبلي رحمه الله في جامع العلوم والحكم قد ساق الكلام عن العلماء بأن ابن عمر في تطليقه لامرأته وهي حائض قد راجعها مع اعتبار تلك الطلقة طلقة واحدة، وذلك في شرح الحديث الخامس، عن عائشة رضي الله عنها، في حديث: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، فهل كلام ابن رجب مردود، أم أن في المسألة تفصيلاً؟

الإجابة

الجمهور يرون أن طلاق الحائض واقع وهكذا طلاق النفساء وهكذا طلاق من طلقت في طهر جامعها زوجها فيه يرون طلاق البدعة محرماً وواقعاً هذا عند الأكثرين كما حكاه غير واحد من أهل العلم كابن عبد البر وغيرهم ويحتجون أن ابن عمر طلق وأمره النبي بالمراجعة وزوجته حائض قالوا، فلما أمره بالمراجعة دل على أن الطلقة وقعت وقال آخرون من أهل العلم: ليس ذلك بواضح، فإن المراجعة معناها الرد، ردها إلى عصمته إلى بيته، ولا يلزم منها المراجعة الشرعية ولا يلزم منها القول بوقوع الطلقة، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك)، فالرسول لا يأمر بتكرار الطلاق وتكثيره وإنما أراد إيقاع الطلاق الذي أراده ابن عمر وأما الطلقة الأولى فهي لاغية لأنها وقعت في غير محلها، وقعت على غير الوجه الشرعي، فلا تكون معتبرة والطلاق المعتبر هو الأخير الذي بعد طهرها من حيضتها الثانية التي بعد الحيضة التي طلقها فيها وفي لفظ آخر: (ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك)، وفي لفظ آخر: (ثم يطلقها طاهراً أو حاملاً)، فدل ذلك على أن الطلقة التي طلقها في الحيض غير واقعة، وقد سئل ابن عمر عن ذلك، سأله رجل قال: يا أبا عبد الرحمن: رجل طلق امرأته وهي حائض أيعتد بها، فقال له: لا يعتد بها، وهو نفسه الذي وقعت له القصة، رواه محمد بن عبد السلام الخشلي، بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك فقال: لا يقع، وهو صاحب القصة، ذكر هذا أبو العباس ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما عن الشيخ محمد، الإمام العلامة محمد بن عبد السلام الخشلي أنه روى هذا بإسناده الصحيح إلى ابن عمر، وقال معنى هذا طاووس بن كيسان اليماني، أحد أصحاب ابن عباس وأحد كبارهم، وقاله أيضاً بن عمرو الحجلي، وذهب إليه جماعة من أهل العلم لأنه طلاق لم يوافق الشرع فلم يعتبر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني مردود، وهذا طلاق ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، يكون مردوداً، قد قال لابن عمر -صلى الله عليه وسلم-: (ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك)، وفي رواية: (فردها علي ولم شيئاً، وقال له: إذا طهرت فأمسكها أو طلقها)، هذا كله واضح في أنها لم تقع، وأن المطلقة في طهر جامعها فيه، أو في حيض أو في نفاس طلاقها غير واقع، لأنه طلاق بدعة، وطلاق في غير محله، فلا يقع، وهذا هو الذي أفتى به أبو العباس ابن تيمية وابن القيم وجماعة آخرون من أهل العلم، أخذاً بحديث ابن عمر نفسه وبفتواه رضي الله عنه ورحمه، أما ما جاء في بعض الروايات من أنه احتسبها أو أنه حسبت عليه فهذا ليس بواضح أنه من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو من اجتهاده رضي الله عنه حسبها باجتهاده ثم بان له بعد ذلك أن احتسابها غير واقع وغير مناسب فلهذا أفتى بأنها لا تقع. أما كلام ابن رجب فلم أطلع عليه ولا أذكره وعلى كل حال، إن كان ابن رجب قال أنه يقع فهو جرى على ما قاله الأكثرون، ولكن شيخه ابن القيم وشيخ شيخه أبو العباس ابن تيمية، قالا إنه لا يقع، وهما أعلم من ابن رجب وأبصر في دين الله وأبصر بالسنة.