الإجابة:
بسم الله نصُّ الحديث المذكور كما هو في مشكاة المصابيح ( 2 / 969 )
في كتاب النكاح - باب عشرة النساء رقم الحديث ( 3249 ) والحديث رواه
جابر رضي الله عنه قال : دخل أبو بكر رضي
الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد الناس
جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأذن لأبي بكر ، فدخل ، ثم
أقبل عمر ، فأستأذن فأُذن له ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً
حوله نساؤه ، واجماً ساكناً ، قال : فقلتُ : لأقولنَّ شيئاً أضحك
النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! لو رأيتَ بنت خارجة
سألتني النفقة ، فقمتُ إليها فوجأتُ عنقها ، فضحك رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال: هنَّ حولي كما ترى ، يسألنني النفقة ، فقام أبوبكر
إلى عائشة يجأ عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها ، كلاهما يقول :
تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ؟ فقلن : والله لا
نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده ، ثم
اعتزلهنَّ شهراً ، أو تسعاً وعشرين ، ثم نزلت هذه الآية ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) حتى بلغ
( للمحسنات منكن أجراً عظيماً )
قال : فبدأ بعائشة ، فقال يا عائشة ! إني أريد أن أعرض عليكِ أمراً ،
أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويكِ ، قالت : وما هو يا رسول الله
؟ فتلا عليها الآية ، قالت : أفيكَ يا رسول الله أستشير أبويَّ ! بل
أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك
بالذي قلت ، قال : لا تسألني امرأة منهنَّ إلا أخبرتها إن الله لم
يبعثني معنتاً ، ولا متعنتاً ، ولكن بعثني معلماً ميسّراً .
رواه مسلم في صحيحه في كتاب الطلاق - في باب ( بيان أن تخييره امرأته
لا يكون لا يكون طلاقاً إلا بالنية ) رقم الحديث 1478 .
ونستفيد من هذا الحديث عدة فوائد هامة وهي :
1 - أن للأب الحق في توجيه وتربية ابنته أمام زوجها ، إذا رأى المصلحة
في ذلك ، كخوفه من تطليق ابنته من زوجها صاحب الخلق والدين ، إذ أن
المرأة بطبيعتها الناقصة قد يصدر منها شيء يكون سبباً لخراب بيتها ،
وهذا كله إذا لم يغضب ذلك الزوج أو يسبب له ضيقاً وكدراً ، أو يكون
سبباً في إحداث فتنة أسرية بين ابنته وزوجها ، وهذا واضح من فعل
الصديق رضي الله عنه وفعل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع
ابنتيهما عائشة وحفصة رضي الله عنهم .
2 - وهذا الأمر الذي حصل من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان
شيئاً فطرياً طبيعاً ، إذ أن مقتضى الطبيعة البشرية تحب السعة في
النفقة ، وتحب التمتع بما أحلَّ الله تعالى من المباحات ، ولهذا فإن
الله تعالى قد أمر بالنفقة على الزوجة بقدر قدرة الزوج فقال ( لينفق ذو سعة من سعته ) ولقد كان هدي
النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي وأحسنه وأعدله ، حيث لم يكن يكلف
الزوج ما لا يحتمل من النفقات ، قال ابن القيم رحمه الله : ( وأنه لم
يقدرها - يعني النفقة - ولا ورد عنه ما يدل على تقديرها ، وإنما ردَّ
الأزواج فيها إلى العرف ، وثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال في خطبة حجة
الوداع بمحضر الجمع العظيم قبل وفاته ببضعة وثمانين يوماً : واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله
، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف
) .. وهذا الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مطابق لكتاب
الله عزوجل حيث يقول الله تعالى {
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } والنبي صلى الله عليه
وسلم جعل نفقة المرأة مثل نفقة الخادم ، وسوى بينهما في عدم التقدير ،
وردهما إلى المعروف .. والله ورسوله ذكرا الإنفاق مطلقاً من غير تحديد
ولاتقدير ولا تقييد فوجب رده إلى العرف لو لم يرده النبي صلى الله
عليه وسلم ..... إلخ . أه . ( زاد المعاد 5 / 490 ) .
3 - ومعنى ( يجأ ) كما قاله النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم ( 10 /
336 ) : قوله يجأ عنقها هو بالجيم وبالهمزة يقال : وجأ يجأ إذا طعن .
أه
ومعناه أنهما قاما بطعن عنق ابنتيهما طعناً خفيفاً للتربية والتعليم ،
وذلك لأن المرأة قد يكون زجر والدها لها أبلغ وأقوى من زجر زوجها الذي
قد لا تهابه كهيبة والدها لها ، وهذا أمر لا حرج فيه في الشريعة
والحمد لله ، وعليه يحمل اللفظ الذي ذكره السائل في قوله ( فصفعتها في
قفاها ) إذ أن الصفع في القفا هو الطعن براحة اليد في مؤخرة العنق ،
وحيث أنه هذه اللفظة لم أجدها في لفظة الحديث المشار إليه ولا في غيره
، فلعله فُهم بالمعنى والله تعالى أعلم .