حكم تارك الصلاة

سمعت في برنامج نور على الدرب المذيع في 25/صفر/ 1407هـ من أحد المشايخ بأنه إذا عقد المسلم عقد النكاح على إحدى الفتيات المسلمات, وهي لا تصلي يكون العقد باطلاً, ولو صلت بعد الزواج، وعندنا في قرى مصر (50%) لا يصلون قبل الزواج، وخاصة البنات، أرجو من سماحتكم توضيحاً كاملاً لهذا السؤال، جزاكم الله خيراً. س2/ أما أخونا (م. ل)، من بنجلادش فيسأل أيضاً نفس السؤال عن أولئك الذين لا يصلون ولاسيما إذا كانوا من قرابته؟ س3/ ثم هناك مستمعة تقول الراسلة: (ع. م)، من المملكة أختنا تسرد جملة صفات في أخت لها ومن أسوأها تركها للصلاة، ثم أيضاً تقول إن حتى والدتها لا تصلي إلا إذا أتت عندها في البيت، كل هؤلاء يرجون سماحة الشيخ التوجيه بخصوص هذا الركن الثاني من أركان الإسلام لو تكرمتم.

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد.. فقد دل الكتاب والسنة على أن الصلاة أهم عبادة وأعظم عبادة بعد الشهادتين, وأنها عمود الإسلام, وأن الواجب على جميع المكلفين من المسلمين المحافظة عليها, وإقامتها كما شرع الله-سبحانه وتعالى-كما قال-عز وجل-: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ... الآية من سورة البقرة, وقال أيضاً في سورة البقرة: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ, وقال في سورة براءة التوبة لما ذكر قتال المشركين قال: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ, فدل ذلك على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله بل يقاتل, وقال-جل وعلا-: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ دل على أن من لم يصلي ليس بأخٍ في الدين, والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً, وثبت عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (رأس الأمر الإسلام, وعموده الصلاة, وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) وصح عنه أيضاً عنه عليه الصلاة والسلام, أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد, وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن حصين - رضي الله عنه -, وخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة), والتعليل بالرجل لا يخرج المرأة فإن الحكم إن ثبت للرجل فهو للمرأة كذلك, وهكذا ما يثبت للمرأة يثبت للرجل إلا بدليل يخص أحدهما, فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على أن تارك الصلاة يكون كافراً من الرجال والنساء بعد التكليف, وثبت في الحديث الصحيح أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الأمراء الذين لا يقيمون الدين كما ينبغي أن نقاتلهم قال: (لا ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان), وفي لفظ آخر قال: (ما أقاموا فيكم الصلاة), فدل على أن من لم يقم الصلاة فقد ارتكب كفراً بواحاً, وقد اختلف العلماء في هذه الأحاديث, فقال: بعضهم إنها على الزجر, والتحذير, والترغيب والترهيب, وليس المراد الكفر الأكبر وليس المراد كفر دون كفر, وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء, وقالوا أنه كفر دون كفر, وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه المراد به الكفر الأكبر؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة), والكفر متى عرف والشرك متى عرف فالمراد به الكفر الأكبر والشرك الأكبر, وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر), فدل ذلك على أن المراد الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه عليه الصلاة والسلام على أمر واضح وهو أمر الصلاة فإن أمر الصلاة أمر عظيم, وهي عمود الإسلام, والقول بتركها كفر أكبر لا يستغرب, ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة), فهذا يدل على أنه كفر أكبر, لأن هناك أشياء يعرفون أنها كفر ولكنها كفر دون كفر, مثل البراءة من النسب, مثل القتال, النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر), هذا كفر دون كفر إذا لم يستحله, وهكذا يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إن كفر بكم تبرؤ من آبائكم), ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (اثنتان في الناس هما كفر النياحة, والطعن في النسب) هذا كله معناه كفر دون كفر عند أهل العلم لأنه جاء مذكراً ودلت الأدلة الأخرى أن المراد به غير الكفر الأكبر, بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم, وهي أول ركن بالشهادتين, وهي عمود الإسلام, وقد بين الرب- عز وجل- لما شرع قتال الكفار قال: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ, فدل على أنهم لا يخلى سبيلهم وهم يتركون الصلاة, وقال - صلى الله عليه وسلم -: (نهيت عن قتل المصلين), فدل على أن من لم يصل يقتل, والخلاصة أن القول الصواب والذي تقتضيه الأدلة هو أن ترك الصلاة كفر أكبر, ولو قال الجمهور بخلافه فإن المناط هو الأدلة وليس المناط كثرة القائلين, الحكم معلق بالأدلة, والترجيح يكون بالأدلة وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفرا أكبر, وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها) فيفسره قوله في الحديث الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام), فلا عصمة إلا بإقامة الصلاة, ولأن من لم يقم الصلاة ما أدى حق التوحيد, والمراد بقول لا إله إلا الله وأنها تعصم من قالها إذا التزم بحقها ومن حقها أن يؤدي الصلاة, ولأن الموحد الذي يقول لا إله إلا الله إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام لم ينفعه قول لا إله إلا الله, فلو قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, ثم جحد وجوب الصلاة كفر إجماعاً, أو جحد وجوب الزكاة كفر إجماعاً, أو جحد وجوب صوم رمضان كفر إجماعاً, أو سب الدين كفر إجماعاً, أو سب الرسول كفر إجماعاً ,أو استهزأ بالدين كفر إجماعاً ولم ينفعه قول لا إله إلا الله, فعلم بذلك أن إتيانه بالتوحيد والشهادة لرسول بالرسالة إنما ينفعه إذا لم يأت بناقض من نواقض الإسلام, فأما إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام فإنها لا تنفعه الشهادة كالأمثلة التي ذكرنا كسب الدين, كالاستهزاء بالدين كجحد, وجوب الصلاة, كجحد وجوب الزكاة, كالاستهزاء بدين الله, ولو أن إنساناً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, ويصلي, ويصوم ويتعبد, ثم جحد تحريم الزنا, وقال الزنا حلال كفر عند جميع المسلمين, أو قال إن الخمر حلال كفر عند جميع المسلمين, أو قال إن اللواط حلال كفر عند جميع المسلمين أو بال على المصحف متعمداً أو وطئه برجله متعمداً استهزائه استهانة له, أو جلس عليه استهانة له كفر عند جميع المسلمين لاستهانته بكتاب الله, ولم ينفعه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, فكيف يستنكر أن يكون كافراً بترك الصلاة إذا تركها وتساهل بها وهي أعظم أركان الدين وأهمها بعد الشهادتين, ليس هذا بمستغرب, ولهذا القول الصواب أن المسلم إذا تزوج امرأة لا تصلي فالنكاح باطل, وهكذا إذا تزوجت المسلمة إنساناً لا يصلي فالنكاح باطل, فمتى تاب إلى الله جدد العقد, متى تاب الذي لا يصلي يجدد العقد, أما إذا كان جميعاً لا يصليان فالنكاح صحيح لأنهما كافران جميعاً نسأل الله السلامة, ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. جزاكم الله خيراً