شهادة أن لاَّ إله إلا الله تقتضي القول والعمل

هل "لا إلـه إلا الله" قول باللسان أو قول يحتاج إلى عمل؟

الإجابة

هذه الكلمة هي أعظم الكلام الذي يتكلم به الناس وأفضل الكلام، وهي قول وعمل، ولا يكفي مجرد القول، ولو كفى مجرد القول لكان المنافقون مسلمين؛ لأنهم يقولونها، وهم مع هذا كفار، بل في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم يقولونها باللسان من دون عقيدة ولا إيمان، فلا بد من قولها باللسان مع اعتقاد القلب وإيمان القلب بأنه لا معبود حق إلا الله.

ولا بد أيضاً من أداء حقها بأداء الفرائض، وترك المحارم؛ لأن هذا من حق لا إله إلا الله، قال عليه الصلاة والسلام: ((أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)).

وفي لفظ آخر: ((أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل)) متفق على صحته.

فالحاصل أنه لا بد من قول مع يقين، ومع علم ومع عمل، لا مجرد القول باللسان، فإن اليهود يقولونها، والمنافقون يقولونها، ولكن لا تنفعهم، لماَّ لم يحققوها بالعمل والعقيدة، فلا بد من العقيدة بأنه لا معبود بحق إلا الله، وأن ما عبده الناس من أصنام ومن أشجار أو أحجار أو قبور أو أنبياء أو ملائكة أو غيرهم فإنه باطل، وأن هذا شرك بالله عز وجل، والإيمان حق لله وحده، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ[1]، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء[2]، وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[3]، وقال عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ[4]، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ[5]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه))، وفي لفظ آخر عند مسلم: ((من وحد الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه)). فدل على أنه لا بد من التوحيد والإخلاص لله.

ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن معلماً ومرشداً وأميراً وقائداً، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادعهم إلى أن يوحدوا الله))[6]، وفي لفظ آخر: ((ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخد من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم...))[7] الحديث.

فالخلاصة أنه لا بد من الإيمان بها قولاً وعملاً مع النطق، فيشهد أن لا إله إلا الله عن علم ويقين وإخلاص وصدق ومحبة لما دلت عليه من التوحيد، وانقياد لحقها وقبول لذلك، وبراءة مما عُبد من دون الله تعالى. هكذا يكون الإيمان بهذه الكلمة، يقولها عن يقين وأنه لا معبود بحق إلا الله، وعن علم ليس فيه جهل ولا شك، وعن إخلاص في ذلك لا رياء ولا سمعة، وعن محبة لما دلت عليه من التوحيد والإخلاص، وعن صدق، لا كالمنافقين يقولونها باللسان ويكذبونها في الباطن.

ومع قبول لما دلت عليه من التوحيد وانقياد لذلك، ومحبة لذلك، والتزام به مع البراءة من كل ما يُعبد من دون الله، والكفر بكل ما يُعبد من دون الله، كما قال سبحانه: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[8].

والكفر بالطاغوت معناه البراءة مما عُبد من دون الله، واعتقاد بطلانه، وأن تتبرأ من عبادة غير الله، وتعتقد بطلان ذلك، وأن العبادة بحق هي لله وحده سبحانه وتعالى ليس له شريك في ذلك، لا ملك ولا نبي ولا شجر ولا حجر ولا ميت ولا غير ذلك.

[1] سورة لقمان، الآية 30.

[2] سورة البينة، الآية 5.

[3] سورة الفاتحة، الآية 5.

[4] سورة الإسراء، الآية 23.

[5] سورة الزمر، الآيتان 2، 3.

[6] أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برقم 7372.

[7] أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة برقم 1395، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام برقم 19.

[8] سورة البقرة، الآية 256.