نصيحة لمن يهتم ببناء القباب والأضرحة

عندنا من مشايخ الصوفية من يهتم بصنع القباب والأضرحة، والناس يعتقدون فيهم الصلاح والبركة، فإن كان هذا الأمر غير مشروع فما هي نصيحتكم لهم، وهم قدوة في نظر السواد الأعظم من الناس؟ أفيدونا بارك الله فيكم؟

الإجابة

النصيحة لعلماء الصوفية ولغيرهم من أهل العلم, أن يأخذوا بما دل عليه كتاب الله, وسنة رسوله- عليه الصلاة والسلام-, وأن يعلموا الناس ذلك, وأن يحذروا إتباع من قبلهم فيما يخالف ذلك, فليس الدين بتقليد المشايخ ولا غيرهم, وإنما الدين ما يؤخذ عن كتاب الله, وعن سنة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -, وعما أجمع عليه أهل العلم, وعن الصحابة - رضي الله عنهم -, الدين هكذا يؤخذ لا عن تقليد زيد وعمر, وقد دلت السنة الصحيحة عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام- على أنه لا يجوز البناء على القبور, ولا اتخاذ المساجد عليها, ولا اتخاذ القباب, ولا أي بناء كل ذلك محرم بنص الرسول- عليه الصلاة والسلام-, ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد), قالت - رضي الله عنها - يحذر ما صنعوا ، وفي الصحيحين عن أم سلمة, وأم حبيبة - رضي الله عنهما - أنهما ذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله), فأخبر- عليه الصلاة والسلام- أن الذين يتخذون المساجد على القبور هم شرار الخلق, وهكذا ما يتخذ عليها صور؛ لأنها دعاية للشرك اتخاذ المساجد, والصور على القبور, والقباب دعاية إلى الشرك؛ لأن العامة إذا رأوا هذا عظموا المدفونين, واستغاثوا بهم, ونذروا لهم, ودعوهم من دون الله, وطلبوا منهم المدد والعون, وهذا من الشرك الأكبر, وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - فيما خرجه مسلم في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) هكذا روى مسلم في الصحيح, فدل ذلك على فضل الصديق - رضي الله عنه -, وأنه أفضل الصحابة وخيرهم, وأنه لو ساغ للنبي أن يتخذ خليلاً لاتخذه خليلاً - رضي الله عنه -, ولكن الله- جل وعلا- منعه من ذلك حتى تتمحض محبته لربه- سبحانه وتعالى- فإنه كلف على المحبة, وفي الحديث دلالة على تحريم البناء على القبور, واتخاذ المساجد عليها, وعلى ذم من فعل ذلك من جهة ثلاث الأولى: ذمه من فعل ذلك، الثاني قوله: (فلا تتخذوا القبور مساجد) ، الثالث قوله: (فإني أنهاكم عن ذلك), فحذر من البناء على القبور من هذه الجهات الثلاث, يقول - صلى الله عليه وسلم -: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبائهم وصالحيهم مساجد) يعني, فلا تتبعوهم بهذا لا تقتدوا بهم, ثم قال: (ألا فلا تتخذوا القبور مساجد) يعني لا تتأسوا بهم (فإني أنهاكم عن ذلك), هذا شيء صريح, والعلة والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم أنه وسيلة وذريعة للشرك الأكبر, إلى عبادة أهل القبور, وصرف الدعاء, والاستغاثة, والنذور, والذبائح لهم, وطلبهم المدد والعون كما هو الواقع الآن في بلدان كثيرة, عند السائد في السودان, وفي مصر, وفي الشام, وفي العراق, وفي بلدان كثيرة يأتي الرجل العامي الجاهل فيقف على صاحب القبر المعروف عندهم فيطلبه المدد والعون والغوث, كما يقع عند قبر البدوي, والحسين, والست نفيسة, وزينب, وغير ذلك في مصر, وكما يقع عندكم في السودان عند قبور كثيرة, وكما يقع في بلدان أخرى, وكما يقع في بعض الحجاج الجهال عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة, وعند قبور أهل البقيع, وعند قبر خديجة في مكة, وقبور أخرى يقع هذا من الجهال, وهم يحتاجون إلى تبصير, وإلى بيان, وإلى عناية من أهل العلم, فالواجب على أهل العلم جميعاً سواءً كانوا منسوبين للصوفية أو غيرهم, الواجب على العلماء جميعاً على علماء الشريعة أن يتقوا الله, وأن ينصحوا عباد الله, وأن يعلموهم دينهم, وأن يحذروهم من البناء على القبور, واتخذا المساجد عليها, أو القباب, أو غير ذلك من أنواع البناء, وأن يحذروهم من دعاء الموتى, والاستغاثة بالموتى, الدعاء عبادة لله وحده الله يقول: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ويقول- سبحانه-: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ يعني المشركين ، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (الدعاء هو العبادة), ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله), والميت قد انقطع عمله مع الناس فهو بحاجة إلى أن يدعى له, إلى أن يستغفر له, إلى أن يترحم عليه لا أن يدعى من دون الله, يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعوا له), فكيف يدعى من دون الله, وهكذا الأصنام, وهكذا الأشجار, والأحجار, وهكذا القمر, والشمس والكواكب كلها لا تدعى من دون الله, كلها لا تدعى, ولا يستغاث بها, فهكذا أصحاب القبور وإن كانوا أنبياء, وإن كانوا صالحين هكذا الملائكة والجن لا يدعون مع الله، الله يقول- سبحانه-: وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ, فجعل اتخاذ الملائكة, والنبيين أرباباً, بالدعاء, والاستغاثة كفراً, والله لا يأمر به-سبحانه وتعالى-وفي حديث جابر عند مسلم يقول - رضي الله عنه -: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور, وعن القعود عليها, وعن البناء عليها) هكذا روى مسلم في الصحيح عن جابر, أن رسول الله نهى عن تجصيص القبور, وعن القعود عليها, وعن البناء عليها لماذا؟ لأن هذا وسيلة إلى الشرك, البناء عليها والتجصيص, والكسوة, والقباب كل هذا وسيلة إلى تعظيمها, والغلو فيها, ودعاء أهلها, أما القعود عليها فهو امتهان لا يجوز أن يقعد عليها لا, هي محترمة لا تمتهن لا يقعد عليها, لا يبول عليها, لا يتغوط عليها, لا يستند إليها, لا يطأها هذا ممنوع احترام المسلم حياً وميت محترم, لا يجوز أن يداس قبره, ولا أن تكسر عظامه, ولا يقعد على قبره, ولا أن يبال عليه, ولا أن توضع عليه القمائم كل هذا ممنوع, فالميت لا يمتهن, والمسلم لا يمتهن, ولا يدعى من دون الله, لا يغلى فيه ويدعى من دون الله ولا يمتهن, ويداس, وتوضع عليه القمائم, والأبوال, والقاذورات لا ، لا هذا ولا هذا الشريعة جاءت بالوسط, جاءت باحترام القبور, والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة, وزيارتهم بالدعاء لهم والاستغفار لهم, ونهى عن إيذائهم بالقمائم, بالبول, بالقعود عليهم إلى غير ذلك, ومن هذا ما جاء في الحديث الصحيح يقول - صلى الله عليه وسلم -: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها), لا تجعل قبلة ولا يقعد عليها, فجمعت الشريعة الكاملة العظيمة بين الأمرين بين تحريم الغلو في أهل القبور ودعائهم من دون الله, والاستغاثة بهم, والنذر لهم ونحو ذلك وهذا من الشرك الأكبر, وبين النهي عن إيذائهم, وامتهانهم, والجلوس على قبورهم, أو الوطئ عليها, والاستناد إليها, أو وضع القاذورات عليها كل هذا ممنوع فلا هذا ولا هذا, وبهذا يعلم المؤمن ويعلم الطالب للحق أن الشريعة جاءت بالوسط لا بالشرك ولا بالإيذاء, فالميت المسلم, النبي, أو الصالح يدعى له, يستغفر له, يسلم عليه عن زيارته, أما أن يدعى من دون الله لا, يقال يا سيدي المدد المدد, أو انصرني, أو اشفي مريضي, أو أعني على كذا لا ، هذا يطلب من الله, ولا يمتهن يوضع القمامة على قبره, يوطأ عليه, يجلس عليه, يبال عليه لا ، لا هذا ولا هذا, أما الحي فلا بأس أن يتعاون معه؛ لأن له عمل الحي له عمل فلا بأس أن يتعاون فيما يجوز شرعاً من الأسباب الحسية, كما قال-تعالى-: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ في قصة موسى, فإن موسى حي والمستغيث حي فاستغاث على عدوه, وهكذا الإنسان مع إخوانه ومع أقاربه يتعاونون في مزارعهم, في إصلاح بيوتهم, في إصلاح سياراتهم, في أشياء أخرى من حاجاتهم يتعاونون بالأسباب الحسية, المقدورة لا بأس, وهكذا من طريق الهاتف التلفون, من طرق المكاتبة من طريق الإبراط والتلكس, كل هذا تعاون حسي لا بأس به في الأمر المقدور لكن ما يتعلق بالعبادة لا ، لا يقال للحي ولو أنه حي لا يقال للحي اشف مريضي, ورد غائبي من طريق سرٍ فيه أن له سراً، ولا يقال انصرنا على عدونا بسرٍ يعني لا ، انصرنا بالسلاح, انصرنا بالقرض يقرضهم إياها حتى يستعينوا بها على شؤون الحرب لا بأس, كذلك يأتي الطبيب يطلب منه العلاج لا بأس، أما يقول اشفني؛ لأن يعتقد فيه سر من شيوخ الصوفية أو من غيرهم هذا كفر؛ لأن الإنسان ما يقدر ما له سر يقدر يتصرف في الكون, إنما أمور حسية الطبيب يتصرف بالأدوية, كذلك الإنسان القادر الحي يتصرف بالأسباب الحسية, يعينك بيده, يبني معك, يعطيك مال قرض أو مساعدة تبني به، يعطيك قطع غيار لسيارتك يساعدك بشفاعة من يعينك هذه أمور حسية لا بأس بها لا تدخل في عبادة الأموات, والاستغاثة بالأموات ونحو ذلك, وكثير من دعاة الشرك يشبهون بهذه الأمور, وهذه أمور واضحة بينة لا تشتبه إلا على من هو من أجهل الناس، فالتعاون مع الأحياء شيء جائز بشروطه المعروفة، وسؤال الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم أمر معروف عند أهل العلم شرك أكبر بإجماع أهل العلم ليس فيه نزاع بين الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان وأهل البصيرة، والبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، والقباب كذلك منكر معروف عند أهل العلم، جاءت الشريعة بالنهي عنه، فلا يجوز أن يلتبس هذا على أهل العلم، فالواجب على أهل العلم مرةً أخرى الواجب عليهم أن يتقوا الله أينما كانوا، وأن ينصحوا لعباد الله، وأن يعلموا شريعة الله، وأن لا يجاملوا في ذلك زيداً ولا عمرا، بل يعلموا الأمير والكبير والصغير، ويحذروا الجميع مما حرم الله، ويرشدوهم إلى ما شرع الله، هذا هو الواجب على أهل العلم أينما كانوا من طريق الكلام الشفهي، ومن طريق الكتابة والتأليف، ومن طريق الخطابة في الجمع وغيرها، من طريق الهاتف، من طريق التلكس، من أي طرق التي وجدت الآن، يستعان بها على تبليغ دعوة الله، وعلى نصح عباد الله، رزق الله الجميع التوفيق والهداية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.