هل يجوز نقل الزكاة إلى خارج مكان المال المزكى؟

السؤال: هل يجوز نقل الزكاة إلى خارج مكان المال المزكى، وخاصة إذا كان هناك فقراء لا يسألون الناس إلحافاً؟

الإجابة

الإجابة: الزكاة إذا كان لها عاملون عليها يجمعونها وينقلونها إلى ولي أمر المسلمين ليوزعها بين فقرائهم فيجوز نقلها، كما كان في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت زكوات المسلمين تأتيه صلى الله عليه وسلم من اليمن وأطراف الحجاز وأطراف جزيرة العرب، وكذلك كانت تأتي الخلفاء من بعده فيخرج جباتها وهم العاملون عليها فيأتون بها من أطراف الأرض، وقد كان بعضهم وكيلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في توزيع بعضها على الفقراء، كما كان معاذ. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أرسله إلى أهل اليمن: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم".

أما في زماننا هذا اليوم الذي فليس للزكاة فيه جهاز مخصص، وليس لها عاملون عليها يجمعونها، وليس للمسلمين ولي أمر عام لكل المسلمين، فإن أهل العلم يرون أن أهل كل بلدٍ أحق بزكاة أموال أغنيائهم، ويرون أنها لا يجوز نقلها بكاملها فوق مسافة القصر، أما ما دون المسافة فلا يسمى نقلاً، وما فوق المسافة لا يجوز نقلها بكاملها إليه لكن يجوز نقل بعضها.

ويتأكد إذا كان في حقٍ أحوج: كنقلها اليوم إلى العراق أو إلى فلسطين، فلا شك أن المسلمين هناك أحوج من المسلمين في البلدان التي لم تتعرض لما تعرضوا له من هدم منازلهم ومساجدهم ومستشفياتهم ومدارسهم، فهم عرضة اليوم للتنصير وللغزو بالمال بعد الغزو العسكري، ويجب على المسلمين إنقاذهم بذلك، فهذا النوع مما يُفتى فيه بنقل الزكاة، لكن على الإنسان أن يُفرِّق بعضها في البلد الذي هو فيه.

وقد اختُلف: هل المعتبر مكان المال أو مكان المالك، وهو خلاف فقهي مشهور، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المقصود بالنقل نقلها عن مكان المالك لأنه مكان يعرف فيه ويعرفه فقراؤه ويعولون على ما لديه، وذهب آخرون إلى أن العبرة بمكان المال لا بمكان المالك فالإنسان الذي تجارته في الكونكو مثلاً أو في السنغال ومكان سكناه هنا في نواكشوط أو في هذا البلد، فقد قال بعض أهل العلم لا ينبغي أن ينقل الزكاة عن المحاويج الذين يرون ماله صباح مساء فلا يرونه يخرج زكاة ماله فسيظنون أنه لا يزكي أصلاً، وفي ذلك تعريض لعرضه ويجب على الإنسان الحفاظ على العرض.

وعموماً فالأحوط في مثل هذا النوع من الأمور: العدل، والإنصاف أن يخرج الإنسان بعض الزكاة في مكان المال، وبعضها في مكان المالك، وينقل بعضها أيضاً إلى المحاويج، والزكاة ليست من ملك الإنسان، وإنما هي ملك استأثر الله به واستثناه مما ملكنا فلا بد أن نتصرف فيها على هذا الأساس، وأن لا نداري بها أقاربنا، وأن ندفعها إلى الذين يسألونها، فهذا منافٍ لأصل حكمتها فأنت ليس لك منها شيء لا منة ولا ملك، ولا يجوز لك تخصيص أقاربك بها بل هي ملك لله استثناه من مالك، وحدد له مصارف حددهم في كتابه لم يكلهم إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرب فلا بد من أدائها طيبة بها النفوس إلى مستحقيها، وقد بين الله خطرها في كتابه فقد قال جل من قائل: {وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة}، وقال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة}.

فلذلك على الإنسان أن يؤديها طيبة بها نفسه، ابتغاء الله عز وجل.

والاحتياط أن لا يخرجها هو بنفسه للفقراء، بل يوكل على إخراجها من يثق بدينه وأمانته، فيقول: "هذا مالي بين يديك، فخذ منه حق الله، ولا تدارني به"، ومع ذلك فالوكيل أيضاً منهي عن أن يأخذ كرائم أموال الناس فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "وإياك وكرائم أموال الناس، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"، ومع هذا فقد نهى الله أصحاب المال عن أن يخرجوا أراذله فقد قال تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه}.

فالزكاة إنما تجب من وسط المال لا من خياره ولا من أراذله، ويأخذها الوكلاء فيصرفونها في مصارفها، ولا يسأل المالك لمن صُرفت، ولا يتدخل بأي تدخل في ذلك، فليست من ماله ولا له سلطة عليها، ومن المؤسف أن كثيراً من التجار في بلدنا هذا يُخرجون الزكاة فيبيعونها كأنها ملك لهم ثم بعد ذلك يوزعون ثمنها طيلة السنة على الفقراء يردون به المتكففين الذين يحرجونهم، وليس هذا زكاة مقبولة عند الله عز وجل، فالغني يجب عليه إخراجها طيبة بها نفسه، ويجب عليه أن لا يتدخل فيها فليس هو وكيلاً عن الفقراء ولا وليٌ لأمرهم ولا صارفاً لأموالهم، فلذلك لا بد من الخروج منها بالكلية.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.