لا تصح الصلاة بقراءة القرآن بغير اللغة العربية

السؤال: ما قولكم في الفتوى التي صدرت عن أحد المفتين الأتراك والتي أجاز فيها قراءة القرآن في الصلاة باللغة التركية؟

الإجابة

الإجابة: يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة يوسف الآية 2]، وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [سورة الشعراء الآيات 192 - 195].

وقد اتفق العلماء على أن القرآن الكريم هو اسم للنظم والمعنى، وهذا هو الصحيح من قول أبي حنيفة أيضاً، قال الأصفهاني: "والأصح من مذهب أبي حنيفة أن القرآن هو النظم والمعنى جميعاً، والمراد بالنظم العبارات وبالمعنى مدلولاتها. وصح رجوع أبي حنيفة عن الإجزاء بالمعنى في الصلاة لوجوب القراءة بها لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ} [سورة المزمل، الآية20]، ولا ينطبق حد القرآن على المعنى وحده بل حد القرآن ينطبق على مجموع العبارة والمعنى" (بيان معاني البديع ج1/ ق2/ 915).

وما نسب إلى أبي حنيفة رحمه الله أنه يجيز قراءة القرآن بغير العربية فقد بُنِيَ على قول منسوب لأبي حنيفة أن القرآن اسم للمعنى فقط والنظم ركن زائد، ولكن لم يثبت هذا عنه كما حقق ذلك الأصوليون من الحنفية، انظر (كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/25)، (التقرير والتحبير 2/213-214)، (فواتح الرحموت 2/8-9).

.. إذا تقرر هذا التأصيل فإن جماهير أهل العلم منعوا قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة وخارج الصلاة، حيث إن ترجمة القرآن لا تسمى قرآناً، وقد أُمرنا بقراءة القرآن: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ}.

قال الإمام النووي: "مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب، سواء أمكنه العربية أو عجز عنها، وسواء كان في الصلاة أو غيرها، فإن أتى بترجمته في صلاة بدلاً عن القراءة لم تصح صلاته سواء أحسن القراءة أم لا، هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء منهم مالك وأحمد وداود" (المجموع 3/379-380).

وقال الإمام النووي أيضاً: "واحتج أصحابنا بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة على غير ما يقرأ عمر، فلببه بردائه وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، رواه البخاري ومسلم، فلو جازت الترجمة لأنكر عليه صلى الله عليه وسلم اعتراضه في شيء جائز، واحتجوا أيضاً بأن ترجمة القرآن ليست قرآناً لأن القرآن هو هذا النظم المعجز وبالترجمة يزول الإعجاز فلم يجز، وكما أن الشعر يخرجه ترجمته عن كونه شعراً فكذا القرآن" (المجموع 3/380).

ثم نقل الإمام النووي كلام إمام الحرمين في المسألة فقال: "ترجمة القرآن ليست قرآناً بإجماع المسلمين، ومحاولة الدليل لهذا تكلف فليس أحدٌ يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآناً، وليس ما لفظ به قرآناً ومن خالف في هذا كان مراغماً جاحداً، وتفسير شعر امرئ القيس ليس شعره فكيف يكون تفسير القرآن قرآناً؟!! وقد سلموا أن الجنب لا يحرم عليه ذكر معنى القرآن والمحدث لا يمنع من حمل كتاب فيه معنى القرآن وترجمته، فعلم أن ما جاء به ليس قرآناً، ولا خلاف أن القرآن معجز وليست الترجمة معجزة، والقرآن هو الذي تحدى به النبي صلى الله عليه وسلم العرب ووصفه الله تعالى بكونه عربياً، وإذا علم أن الترجمة ليست قرآناً وقد ثبت أنه لا تصح صلاته إلا بقرآن حصل أن الصلاة لا تصح بالترجمة، هذا كله مع أن الصلاة مبناها على التعبد والإتباع والنهي عن الاختراع وطريق القياس منسدة وإذا نظر الناظر في أصل الصلاة وأعدادها واختصاصها بأوقاتها وما اشتملت عليه من عدد ركعاتها وإعادة ركوعها في كل ركعة وتكرر سجودها إلى غير ذلك من أفعالها ومدارها على الإتباع ولم يفارقها جملة وتفصيلاً فهذا يسد باب القياس حتى لو قال قائل مقصود الصلاة الخضوع فيقوم السجود مقام الركوع لم يقبل ذلك منه، وإن كان السجود أبلغ في الخضوع. ثم عجبت من قولهم إن الترجمة لا يكون لها حكم القرآن في تحريمها على الجنب ويقولون لها حكمه في صحة الصلاة التي مبناها على التعبد والإتباع" (المجموع 3/380-381).

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: "ولا تجزئه القراءة بغير العربية، ولا إبدال لفظها بلفظ عربي سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد" (المغني 1/350).

وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: "ومن قرأ أم القرآن أو شيئاً منها أو شيئاً من القرآن في صلاته مترجماً بغير العربية أو بألفاظ عربية غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى عامداً لذلك أو قدم كلمة أو أخرها عامداً لذلك: بطلت صلاته وهو فاسق لأن الله تعالى قال: {قُرْءَاناً عَرَبِيّاً} [سورة الزخرف الآية 3]، وغير العربي ليس عربياً فليس قرآناً؟! وإحالة رتبة القرآن تحريف كلام الله تعالى، وقد ذم الله تعالى قوماً فعلوا ذلك فقال: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [سورة النساء الآية 46]، وقال أبو حنيفة: تجزيه صلاته واحتج له من قلده بقول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [سورة الشعراء الآية 196]. قال علي: لا حجة لهم في هذا لأن القرآن المنزل علينا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم لم ينزل على الأولين وإنما في زبر الأولين ذكره والإقرار به فقط ولو أنزل على غيره عليه السلام لما كان آية له ولا فضيلة له وهذا لا يقوله مسلم! ومن كان لا يحسن العربية فليذكر الله تعالى بلغته لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا} [سورة البقرة الآية 286]، ولا يحل له أن يقرأ أم القرآن ولا شيئاً من القرآن مترجماً على أنه الذي افترض عليه أن يقرأه لأنه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا فيكون مفترياً على الله تعالى" (المحلى 2/285).

.. ويجب أن يُعلم أن ما نسب إلى أبي حنيفة من جواز قراءة القرآن بالفارسية لغير القادر على العربية صحّ رجوع أبي حنيفة عنه، والفتوى عند الحنفية على منع قراءة القرآن بغير العربية. قال صاحب الهداية الحنفي بعد ذكر المسألة: "ويروى رجوعه في أصل المسألة وعليه الاعتماد" (الهداية مع شرح فتح القدير 1/249). وقال الشيخ علاء الدين الحصكفي من الحنفية بعد ذكر المسألة: "لأن الأصح رجوعه -أبو حنيفة- إلى قولهما -أبو يوسف ومحمد- وعليه الفتوى" (الدر المختار شرح تنوير الأبصار 1/484). وأكد العلامة ابن عابدين الحنفي صحة رجوع أبي حنفية عن قوله في هذه المسألة (حاشية ابن عابدين 1/484).

وخلاصة الأمر أنه تحرم قراءة القرآن بغير العربية ولا تصح الصلاة بذلك والفتوى المشار إليها في السؤال باطلة.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.