متى يدخل المعتكف معتكفه؟

السؤال: متى يبدأُ الاعتكاف؟

الإجابة

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالظاهر أنَّ السائل الكريم يسأل عن اعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ فإن كان كذلك، فإنه يبدأُ بغروب الشَّمس في اليوم العشرين ليلةَ الحادي والعِشْرين، فمَنْ نَوى اعتِكاف العَشْر الأواخِر، فإنَّه يدخُل مُعتكفَه في هذا الوقت، وهذا قوْلُ جُمهور العلماء، ومنهُم الأئمَّة الأربعة؛ ودليلُ ذلك ما رواه البُخاري، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعتكِف في العَشْر الأواخِر من رمضان"، والعشْر الأواخر تبدأ بغروب الشَّمس ليلةَ الحادي والعشرين.

واستدلُّوا أيضًا بأنَّ أوَّل الشَّهر هو غُروب شَمس اليوم السَّابق له، ولهذا تحلُّ الدُّيون المعلَّقة به، ويقعُ الطَّلاق والعتاق المعلَّقان به، فوجبَ على المعتكِف أن يدخُل مع الغروب أو قبله بيسير؛ ليستوفيَ جَميع العشر، فإنَّه لا يُمكنه اعتِكافها إلا بذلك.

وقالوا: إنَّ اللياليَ كلَّها تابعةٌ للأيَّام المستقبَلة، لا للأيَّام الماضية؛ إلاَّ في الحج، فإنَّها في حكْم الأيَّام الماضية.

ومن العلماء من قال: إنه يبدأُ بعد صلاة الفجْر يوم الحادي والعشرين؛ فمنْ نوى الاعتِكاف في العشر الأواخر، فإنَّه يدخُل معتكفَه بعد صلاة الفجْر من ذلك اليوم، وهذا قولُ الأوزاعي والثَّوري، واللَّيث بن سعد وإسحاق، وروايةٌ عن أحْمد؛ ودليل ذلك ما رواه البُخاري ومُسلم، عن عائشة قالت: "كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أراد أن يعتكِف صلَّى الفجْر، ثُمَّ دخل معتَكَفه".

وأجاب الجمهور: أن المُراد أنَّه دخل مُعتكفَه الخاصَّ، أمَّا المسجِد، فيدخُله أوَّل اللَّيل بعد غروب الشمْس.

قال النووي في "شرح مسلم": "فأوَّله الجمهور على أنه دخل المعتكَف، وانقطع فيه، وتخلَّى بنفسِه بعد صلاتِه الصبح، لا أنَّ ذلك وقتُ ابتِداء الاعتِكاف، بل كان من قبل المغرِب معتكفًا لابثًا في جُملة المسجد، فلمَّا صلَّى الصبح انفرد.

وقال القاضي أبو يعلى: يُحمل الحديثُ على أنَّه كان صلَّى الله عليه وسلَّم يفعَل ذلك في يوْم العِشرين.

قال السِّندي: وهذا الجواب هو الذي يُفيده النظر، فهو أوْلى وبالاعتماد أحرى". اه.

قال أبو عمر بن عبد البر: "لا أعلم أحدًا من فُقهاء الأمْصار قال بِهذا الحديث - مع ثبوتِه وصحته - في وقتِ دخولِ المعتكِف موضع اعتِكافه؛ إلا الأوزاعيَّ والليثَ بن سعد، وقدْ قال به طائفةٌ من التَّابعين، وروى ابن وهبٍ عن اللَّيثِ قال: "إنَّما يدخل المعتكِفُ المسجِدَ للاعتِكاف قبل الفجْر، ليلة إحدى وعِشْرين.

وذكر الأثرم قال: سمعتُ أحمد بن حنبل يُسأَل عن المعتكِف: في أيِّ وقت يدخُل معتكفَه؟ فقال: يدخُل قبل غروب الشَّمس، فيكون يبتدئُ ليلتَه.

فقيل له: قد روى يحيى بن سعيد، عن عَمرة: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلِّي الفجر، ثم يدخُل مُعتكفَه"، فسكت.

قال: وسمعتُه مرَّة أُخْرى يُسأَل عن المعتكِف: في أيِّ وقت يدخُل معتكَفَه؟ فقال: قد كنت أحبُّ له أن يدخُل معتكَفَه في أوَّل الليل؛ حتَّى يبيتَ فيه ويبتدئ، ولكن حديث يَحيى بن سعيد، عن عَمْرَة، عن عائشة: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم كان يدخُل مُعتكفَه إذا صلَّى الغداة"، قيل: فمتى يخرج؟ قال: يَخرج منه إلى المصلَّى.

وقال الشَّيخ ابنُ عُثيْمين في "فتاوى الصيام": "أمَّا نيَّة الاعتِكاف، فهي من أوَّل اللَّيل؛ لأنَّ العشر الأواخر تبتدئُ من غُروب الشَّمس يوم عشرين". اه،، والله أعلم.