أسباب تفرق المسلمين

السؤال: ما أسبابُ تَفَرُّقِ المسلمين برغم دَعْوَةِ الإسلام للوحدة؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإنَّ الناظرَ لأحوال المسلمين اليوم يصيبه الأسى والألم والحسرة، لما وصل إليه حال المسلمين، من تَفَرُّقٍ وذُلٍّ وتأخُّر، وهو واقع ملموس لا يحتاج إلى برهان، وقدر كوني وله أسبابه التي تجلبه، ومن أهم تلك الأسباب:
أولاً: أسباب داخلية في المسلمين أنفسهم، وأهمها:
- بُعدُهم عن الدين، واتِّباعُهم سَنَنَ اليهود والنصارى: وقد أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتُم أذنابَ البَقَرِ، ورضِيتُم بالزرع، وتركْتُمُ الجِهاد، سلَّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" [رواه أبو داود وصححه الألباني]، وروى البخاري أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ".
- الابتداع في الدِّين: وله آثارٌ السيئة، التي من أهمها الاختلاف والفُرقَة، وما ينتج عنهما من العداوة والبغضاء؛ قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، وقال: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31، 32].
- حب الدنيا: وهو من أهم أسباب تفرُّق الْمُسْلِمِينَ وتنازُعهم واختلافهم.
- الجهل: وهو من أعظم أسباب التفرق، وقد أخبر سبحانه أنه عاقب النصارى بالفرقة؛ بسبب نسيان العلم، قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14]، قال الإمام الطبري: "لما ترك هؤلاء النصارى الذين أخذتُ ميثاقهم بالوفاء بعهدي، حظَّهم مما عهدتُ إليهم من أمري ونهيي، أغريتُ بينهم العداوة والبغضاء.
ولا شكَّ أنَّ التفرق يعني تفارُق الأهواء، وقد يكون لهذه الأهواء من الأغراض الشخصية والدنيوية ما جعل النية مدخولة، وليست خالصة لوجه الله، وهذا ما نشاهده اليوم، وهو أنَّ كل فرقة من الفرق المنتمية إلى الإسلام، هي في الواقع لا تتمسك بقواعد الإسلام، ولا بأصوله الثابتة.

ثانيًا: أسباب خارجية: وهي كثيرة، لا سيما في الفترة التي هَيْمَنَ فيها الاستعمار على بلاد العالم الإسلامي؛ فعمِل بمبدأ: "فَرِّق تَسُد"؛ فَزَرَعَ مشكلات الحدود بين أكثر البلدان، كما أحيا في النفوس العَصَبِيَّات العِرقية بين شعوب البلاد المستعمرة؛ كالفرعونية والفينيقية والبابلية والآشورية وغير ذلك.

والطريق الصحيح لتصحيح أي انحراف في مسيرة الأمة الإسلامية، ولخروجها مما هي فيه من الذلة وتَسَلُّطِ الأعداء هو:
- الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح في القرون الخيريَّة وما بعدها؛ قال صلى الله عليه وسلم: "تركْتُ فيكم ما إنْ تَمَسَّكْتُم به لن تَضِلُّوا، كتاب الله وسنة رسوله" [رواه مسلم وغيره]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه].
- الاستقامة والبعد عن أسباب الفُرْقَةِ والثبات على منهج الله.

ثم بالنظر إلى السيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين، واتباع هديهم في خدمة الإسلام وبذل الجهد والمهجة في سبيل الدفاع عنه؛ لتكون كلمة الله هي العليا.

فإذا فعلنا ذلك اتحدنا، ودانت لنا الدنيا؛ فهذا ما اشترطه الله تعالى للتمكين للمسلمين في الأرض؛ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55]، وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

وليُعْلَم أن ما عليه الأمة الآن هو حالة استثنائية، وستعود بإذن الله إلى سابق عهدها، وقد لاحت في الأُفُقِ بشارة العود في الصحوة المباركة، والحمد لله رب العالمين، والله أعلم.

نقلاً عن موقع الآلوكة.