النياحة وتمني الموت

توفيت أمي رحمها الله منذ أربع سنوات، وأنا منذ ذلك الحين أبكيها دائماً وأحن إليها، ولم أستطع نسيانها، وحاولت كثيراً أن أخفف من هذا الحزن دون جدوى، قرأت القرآن، ودعوت الله لها ولوالدي بالرحمة والمغفرة، وأتصدق على أن يكون ثواب الصدقة لها، وكنت في البداية من شدة الحزن عليها أدعو الله أن يلحقني بها، وأتمنى الموت لألحق بها، ولكن عمي نهاني عن ذلك وقال لي: هذا حرام ولا يجوز! فكففت عن ذلك وندمت، وتبت إلى الله، ولم أعد إلى ذلك أبداً، ومع ذلك لا زلت حزينة ولم أستطع النسيان، فما توجيهكم لي؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

الحمد لله الذي من عليك بالتوبة، فإن النياحة على الميت منكر، من المنكرات، لا تجوز، النياحة منكرة ومعصية أما البكاء بدمع العين فقط لا يضر، دمع العين من دون صوت، هذا لا يضر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -لما مات ابنه إبراهيم،: (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، وقد بكى - صلى الله عليه وسلم -على بناته لما متن عليه الصلاة والسلام، ولما عرضت عليه إحدى طفلاً لها في السياق، ورأى نفسه تقعقع عند الخروج، دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، فسئل عن هذا، فقال: (إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)، فحزنك عليها والبكاء الذي ليس معه صوت لا يضر، أما النياحة ورفع الصوت، هذا لا يجوز، أو شق الثوب أو لطم الخد أو نتف الشعر، كل هذا لا يجوز، يقول - صلى الله عليه وسلم -:(ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة)، والصالقة هي: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، كل هذا لا يجوز، أما الدعاء لها والصدقة عنها هذا شيء مطلوب ومشروع ولك فيه أجر أنت مأجورة عليه الدعاء للوالدة والترحم عليها هذا أمر مشروع، إذا كانت ماتت على الإسلام يدعى لها بالمغفرة والرحمة والنجاة من النار، ورفع الدرجات وتكفير السيئات ويتصدق عنها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وفي الصحيح أن رجلاً قال: يا رسول الله: إن أمي ماتت ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي: (نعم)، يعني لها أجر، فالصدقة من ولدها أو من غير ولدها كله طيب، الصدقة عن الوالدة عن الوالد عن الأخ، عن الأقرباء عن غيرهم من المسلمين ينفعهم، ينفع الأموات، وهكذا الدعاء لهم والحج عنهم والعمرة كل هذا ينفع الميت، قضاء دينه ينفعه أما تمني الموت واللحاق بالموتى أو الدعاء به هذا لا يجوز، سواء كان الميت أباً أو أماً أو أخاً أو غيرهم، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:(لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، فإن عمر المؤمن لا يزيده إلا خيراً)، هكذا رواه مسلم في الصحيح، وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لأمر نزل به فإن كان لا محالة فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إن كانت الوفاة خيراً لي)، هذا الدعاء طيب، وفي حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه كان يقول: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيراً لي،وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، هذا الدعاء طيب، أما يقول: اللهم أمتني، أو اللهم ألحقني بفلان، يعني أمتني هذا لا يجوز، لا مع الوالدة ولا غيرها، فعليك التوبة من ذلك والحمد لله قد تبت والحمد لله، نسأل الله أن يتقبلها منك، أما إذا قال الإنسان: (اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، هذا لا بأس به، أو قال كما في حديث عمار: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، فكل هذا طيب، فعله النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه أوكل الأمر إلى الله، ولم يتمن الموت ولم يدع به، بل أوكل الأمر إلى الله وهو أعلم بأحوال عباده وما يصلحهم سبحانه وتعالى.