الرشوة لدفع ظلم أو أخذ حق

السؤال: هل العمل في مهنة التخليص الجمركي حلال؟ حيث إنه لا ينفذ موظفي الجمارك إجراءات الإفراج عن البضائع إلا عندما يُدفع لهم المال، مع إن البضائع سليمة شرعاً وقانوناً؛ فهي حلال وأوراقها سليمة، لكن هذا هو العُرف السائد عند موظفي الجمارك -إلا من رحم ربي-؟ فهل عليَّ إثم لكوني أعمل مخلصاً جمركياً؛ مع أنني لا أستطيع أن أتم عملي إلا عندما أدفع لهم؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيراً.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن المخلص الجمركي وكيل لصاحب البضائع -في مقابل ما يدفعه له من أجرة- وهي وكالة صحيحة، ولا حرج فيها، بشرط أن تكون البضائع مما يباح الاتِّجار فيه؛ قال ابن قدامة -رحمه الله- في (المغني): "يجوز التوكيل بجُعل وغير جُعل; فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكَّل أُنيساً في إقامة الحد، وعروة في شراء شاة، وعَمراً وأبا رافع في قبول النكاح بغير جُعل... فإن كانت بجُعل، استحق الوكيل الجُعل بتسليم ما وكّل فيه إلى الموكل، إن كان مما يمكن تسليمه". أما دفع الرشوة للموظفين فإن الرشوة مال يُدفع ليتوصل به صاحبه إلى إحقاق باطل أو إبطال حق. وهي من كبائر الذنوب، وملعون صاحبها على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمُرتشي" (رواه أحمد وأبو داود، ورواه الترمذي وزاد: "في الحكم"، وقال: "حديث حسن صحيح"). وفي رواية: "والرائش"، وهو الساعي بينهما. وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]. وقال تعالى في وصف اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [الأنعام: 41]. قال الحسن، وسعيد بن جبير هو: الرشوة. أما دفع الرشوة لدفع ظلم أو ضرر، أو أخذ حق له مُنع منه وما شابه ذلك؛ فجائزة ويكون الإثم فيها على المرتشي دون الراشي والرائش، وهو مذهب الجمهور؛ واستدلوا بما رواه أحمد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أحدهم ليسألني المسألة فأعطيها إياه فيخرج بها متأبطها، وما هي لهم إلا نار"، قال عمر: يا رسول الله، فلم تعطيهم؟ قال: "إنهم يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل"، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي هؤلاء المال مع أنه حرام عليهم، حتى يدفع عن نفسه مذمة البخل (الفتاوى الكبرى ج4/ص201). فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ وجاز للدافع أن يدفعها إليه كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها ناراً"، قيل: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: "يأبون إلا يسألوني ويأبى الله لي البخل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في (مجموع الفتاوى): "فأما إذا أهدى له هدية؛ ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعها إليه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها ناراً"، قيل: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: "يأبون إلا يسألوني ويأبى الله لي البخل"، وقال: "ولهذا قال العلماء: يجوز رشوة العامل لدفع الظلم لا لمنع الحق"، وقال أيضاً: "ومن ذلك: لو أعطى الرجل شاعراً أو غير شاعر، لئلا يكذب عليه بهجو أو غيره، أو لئلا يقول في عرضه ما يحرم عليه قوله، كان بذله لذلك جائزاً وكان ما أخذه ذلك لئلا يظلمه حراماً عليه; لأنه يجب عليه ترك ظلمه". وقال تقي الدين السبكي -رحمه الله- في (الفتاوى): "والمراد بالرشوة التي ذكرناها ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل، وإن أعطيت للتوصل إلى الحكم بحق فالتحريم على من يأخذها، وأما من يعطيها فإن لم يقدر على الوصول إلى حقه إلا بذلك جاز، وإن قدر إلى الوصول إليه بدونه لم يجز". وقال السيوطي في (الأشباه والنظائر): "القاعدة السابعة والعشرون: "ما حرم أخذه حرم إعطاؤه؛ كالربا، والرشوة، ويستثنى صور؛ منها: الرشوة للحاكم، ليصل إلى حقه، وفك الأسير، وإعطاء شيء لمن يخاف هجوه". وقال الحموي الحنفي في (غمز عيون البصائر): "القاعدة الرابعة عشرة: ما حرم أخذه حرم إعطاؤه كالربا، إلا في مسائل منها الرشوة لخوف على ماله أو نفسه، وهذا في جانب الدافع، أما في جانب المدفوع له فحرام". وفي (الأشباه) لابن نجيم الحنفي: وكذا في (المنثور) للزركشي الشافعي: "ما حرم أخذه حرم إعطاؤه، كالربا والرشوة للحاكم إذا بذلها ليحكم له بغير الحق، إلا في مسائل: في الرشوة لخوف على نفسه أو ماله، أو لفك أسير، أو لمن يخاف هجوه ". وقال ابن الأثير: "فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلي سبيله، وروي عن جماعة من أئمة التابعين أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله". والحاصل أنك إن استطعت إنهاء أعمالك من غير دفع للرشوة، حَرُم عليك دفعها، وإن لم تستطع إلا بدفع رشوة، جاز لك دفع الرشوة حينئذ، ويكون التحريم على الآخذ لها لا المعطي، والله أعلم.

-------------------------------------
من فتاوى موقع الألوكة