أنواع استجابة الدعاء

السؤال: كثيراً ما يدعوا الناس في المساجد وفي غيرها، ولم يستجب لهم، فلماذا؟ فهل هناك شروط لم تحقق بعد؟ أو ماذا؟

الإجابة

الإجابة: الجواب أن الشرط الأول والأخير، هو قدر الله عز وجل، فالله قد كتب كل شيء في الصحف التي عنده فوق عرشه، ولا يقع شيء إلا وفق ما كتب الله عز وجل.

والدعاء له ثلاثة أحوال:
إما أن يستجاب في الحال إذا كان القدر قد نفذ بذلك.

وإما أن يكتب حسناتٍ للداعي فيدخر له عند الله.

وإما أن يستجاب بعد وقت، أن تدخر الإجابة بعد وقت فتتحقق ولو بعد حين، كما في دعاء يعقوب ليوسف عليه السلام فإنه عندما قصَّ عليه رؤياه دعى له: {وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق}، فتحقق دعاؤه بعد مدة طويلة.

وكذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه دعا يوم الاثنين فلم يُستجب، له فدعا يوم الثلاثاء فلم يُستجب له، فدعا يوم الأربعاء بين الظهر والعصر فاستجيب له كما في حديث جابر، فقد يؤخر الدعاء لحكمةٍ.

ولا شك أن الدعاء له أجنحة، وله أسباب للاستجابة، فمن هذه الأجنحة أن يدعو الإنسان موقناً بالإجابة، فالإنسان المتردد الذي يحصل في ذهنه ما حصل في ذهن هذا السائل، فيقول: "دعوتُ، ودعوتُ ولم يُستجب لي" هذا لم يحصل بعد على هذا الجناح من أجنحة الدعاء، بل لا بد أن يدعو موقناً بالإجابة، وإن الله لا يملُّ حتى تملوا، فلذلك لابد أن يسأل الله سبحانه وتعالى موقناً بالإجابة، ثم لابد كذلك أن يكون الدعاء غير معتدٍ فيه، فالدعاء الذي هو بإثم أو قطيعة رحم أو فيه اعتداء لا يستجيبه الله، "يُستجابُ لأحدكم ما لم يدعُ بإثم ولا قطيعة رحم"، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاعتداء في الدعاء.

وكذلك لابد أن يكون الدعاء صادراً عن قلب مؤمن بالله سبحانه وتعالى مقبلٍ عليه، فالإنسان الذي يقول: "اللهم افعل إن شئت" ويعلق بالمشيئة أو نحو ذلك لا يُستجاب له، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، وليجزم أحدكم المسألة فإنه لا مُستكره له".

كذلك فإن له أسباباً للإجابة ومنها:

أن يكون في حال اضطرار: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض}.
ومنها كذلك أن يبدأه الإنسان بالثناء على الله عز وجل فهو أهل الثناء.
ومنها كذلك أن يتوخى فيه الأوقات التي هي مظنة لاستجابة الدعاء كأدبار الصلوات المكتوبات، وكالثلث الأخير من الليل، وغير ذلك فيعقوب عليه السلام لما سأله أولاده أن يدعو لهم أخر ذلك قال: {سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم}، فوعدهم أن يستغفر لهم وهو ينتظر الثلث الأخير من الليل، وسواء كان ذلك في أثناء الصلاة أو في غيرها، لكن أرجى أوقات الدعاء في الصلاة هو ما كان في السجود، أما أدبار الصلاة فالمقصود بها ما بعد السلام، والإنسان ما زال في مصلاه الذي صلى فيه والملائكة تستغفر له: "اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه"، فهذا الوقت يستجاب فيه دعاؤه إن شاء الله.
كذلك إذا كان بعد الصدقة فإنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما خرج إلى الاستسقاء بالصدقة والاستغفار.
وكذلك أن يكون الدعاء بظهر الغيب كأن يدعو للمسلمين من غير محضرهم فعند رأسه ملكان يقولان له: "آمين ولك بمثله".
وكذلك ما كان مشترك يؤمّن عليه، المسلمون فتأمينهم مقتضٍ للإجابة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حسدتكم يهودُ على شيءٍ ما حسدوكم على آمين"، فآمين منزلة عظيمة ميَّز الله بها هذه الأمة، واليهود يحسدوننا عليها، فالمشارك في الدعاء بقول: "آمين" ليس أقل شأناً من الداعي المباشر، ولذلك فإن سلطان علماء الأندلس وهو المنذر بن سعيد البلوطي رحمه الله أرسل إليه الأمير عبد الرحمن الناصر أن يستسقي للمسلمين وقد اقحطوا قحطاً شديداً، فامتنع من ذلك، فقيل: ولم تمتنع من الاستسقاء للمسلمين وقد استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إن الأمير يسأل يريد الاستسقاء للمسلمين، وهو مشتغل باللهو واللعب لا يهتم بأمر المسلمين، فسمع ذلك الأمير فانكسر واشتدت توبته وإنابته، فأرسل منذر أحد طلابه إلى الأمير فوجده في مسجدٍ يبكي ويقرأ مصحفه فقال: "الآن أخرجُ للاستسقاء"، فوعدهم يوماً فخرجوا للاستسقاء، فلما اجتمعوا وقف منذر خطيباً فافتتح خطبته بقوله: {سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة}، ومدَّ يديه يستسقي فما رجعهما حتى امتلأتا بالماء.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.