أيهما أفضل: طول القيام أو كثرة الركوع والسجود؟

السؤال: كنا جماعة من الإخوان، وجرى ذكر قيام الليل، واختلفت وجهات نظرنا في الأفضل: هل طول القيام أم كثرة الركوع والسجود. فنرجوكم الإفادة عن ذلك، مع ذكر الدليل على ما تقولون. أثابكم الله.

الإجابة

الإجابة: هذه المسألة فيها عدة أقوال في مذهب الإمام أحمد وغيره. فالمشهور من المذهب لدى الحنابلة: أن كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام فيما لم يرد تطويله. واستدلوا لهذا بحديث ثوبان الذي رواه مسلم في (صحيحه)، ولفظه: عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة -أو قال: بأحب الأعمال إلى الله- فسكت. ثم سألته، فسكت. ثم سألته الثالثة. فقال: لقد سألتُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها عنك خطيئة" (رواه مسلم) (1)، وحديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (2)، وحديث ربيعة بن كعب الأسلمي لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له صلى الله عليه وسلم: "أَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود" (رواه أحمد ومسلم وأبو داود) (3)؛ ولأن السجود في نفسه أفضل وآكد، بدليل أنه يجب في الفرض والنفل، ولا يباح بحال إلا لله تعالى. وأما القيام، فلا يجب في النفل، ويباح في غير الصلاة: للوالدين، والعالم، وسيد القوم، ونحوهم. والاستكثار مما هو أفضل وآكد أولى.

وعن الإمام أحمد رواية أخرى: أن طول القيام أفضل؛ وفاقًا لأبي حنيفة، والشافعي، وعنه: التساوي. اختاره صاحب (المحرر)، وحفيده شيخ الإسلام ابن تيمية. وقال رحمة الله عليه: التحقيق أن نفس الركوع والسجود أفضل من نفس القيام، وأن ذِكْرَ القيام -وهو قراءة القرآن- أفضل من ذِكْرِ الركوع والسجود -وهو التسبيح والدعاء- فاعتدلا؛ ولهذا كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم معتدلة؛ فإذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود؛ حتى يتقاربا.

وقال الشوكاني في (نيل الأوطار) (4): وفي هذه المسألة مذاهب:
- أحدها: أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل. حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة. وممن قال بذلك ابن عمر.
- والمذهب الثاني: أن تطويل القيام أفضل؛ لحديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة طول القنوت" (رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه) (5). وإلى ذلك ذهب الشافعي، وجماعة. وهو الحق كما سيأتي.
- والمذهب الثالث: أنها سواء.
وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة، ولم يقض فيها بشيء.

وقال إسحاق بن راهويه: أما في النهار، فتكثير الركوع والسجود أفضل. وأما في الليل، فتطويل القيام، إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه؛ فتكثير الركوع والسجود أفضل؛ لأنه يقرأ جزأه، ويربح كثرة الركوع والسجود.

قال ابن عدي: إنما قال إسحاق هذا؛ لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام، ولم يوصف مِن تطويله بالنهار ما وصف مِن تطويله بالليل.أ.ه.

___________________________________________

1 - مسلم (488).
2 - مسلم (482)، وأبو داود (875)، والنسائي (2/ 226) من حديث أبي هريرة.
3 - مسلم (489)، وأحمد (4/ 59)، وأبو داود (1320).
4 - (3/72).
5 - أحمد (3/ 302، 314)، ومسلم (756)، والترمذي (387)، وابن ماجه (1421).