حكم دفن الأموات داخل المساجد

ما هي العلاقة بين كلٍ من مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما فيه من قبره وقبر صاحبيه, ومسجد من المساجد التي توجد بها قبور، حيث أنه بعد سماع سماحة الشيخ عبد العزيز في هذه المسألة فقد أوضح بأن ذلك كان خطأً عند توسعة المسجد في عهد عبد الملك، ولكن كثيراً من المسلمين يتساءلون، إذا كان هذا خطأً فإنه من الممكن تدارك الخطأ وعلاجه، ذلك بأن يفصل القبر عن المسجد تماماً حيث أنه لا يكفي السور لأن باقي المقابر بالمساجد الأخرى حولها أيضاً سور، وبذلك من الصعب إقناعهم باختلاف المسجد النبوي عن غيره، إن هذه المسألة إذا تفضلتم عند حسمها سوف تقضي قطعاً على افتتان المسلمين، وسوف تمنع وتساعد على نبش القبور التي استجدت على المساجد،

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله, وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله, وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فلا شك أن إدخال القبر الشريف في المسجد الشريف كان سبباً لفتنة بعض الناس في موضع القبور في المساجد والبناء على القبور، وقد سبق في حلقات مضت بيان الواقع، وهو أن الوليد بن عبد الملك، وليس هو عبد الملك، بل الوليد بن عبد الملك في خلافته لما وسع المسجد النبوي، رأى إدخال الحجرة النبوية في المسجد بسبب التوسعة، وأنكر ذلك عليه بعض الناس، بعض التابعين، ولكنه رأى أن التوسعة تدعو إلى ذلك، فلهذا أدخله، وصار ذلك الإدخال سبباً لفتنة بعض الناس، في البناء على القبور, واتخاذ المساجد عليها, وليست العلاقة بين مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم- وحجرته مثل العلاقة التي بين المساجد والقبور الأخرى، فرق عظيم، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- دفن في بيته، في بيت عائشة, ودفن معه صاحباه, أبو بكر, وعمر-رضي الله تعالى- عنهما، ولم يدفن في المسجد- عليه الصلاة والسلام-, ولا صاحباه بل كلهم دفنوا في البيت، وأما القبور الأخرى فهي تدفن في المساجد، ويظن أهلها أن هذا قربة وأنه طاعة وربما حدث المسجد بعد ذلك، يوجد قبر ثم يبنى عليه مسجد، كل هذا واقع، فليس هذا كهذا، وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-في الحديث الصحيح، بل في الأحاديث الصحيحة: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، قالت عائشة-رضي الله عنها-: "يحذر ما صنعوا"، وقال-عليه الصلاة والسلام-: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)،رواه مسلم في الصحيح، ولما قالت له- عليه الصلاة والسلام- أم سلمة, وأم حبيبة،- رضي الله تعالى عنهما- إنهما رأتا في أرض الحبشة كنيسة وذكرتا ما فيها من الصور، قال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور- ثم قال عليه الصلاة والسلام-: أولئك شرار الخلق عند الله)، فأخبر أن الذين يبنون القبور على المساجد, ويصورون عليها الصور، أنهم شرار الخلق؛ لأنهم فعلوا أمراً يجر الناس إلى الشرك، ويوقعهم في الشرك؛ لأن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، واتخاذ الصور عليها كل هذه من وسائل الشرك، ولهذا حذر من ذلك النبي- عليه الصلاة والسلام- وأبدى وأعد في ذلك، والوليد حين أدخل الحجرة النبوية لم يكن على باله هذا الأمر، ولم يظن أن الناس يشتبه عليهم الأمر، ويعتقدون أن هذا مثل هذا، وأن إدخال الحجرة برمتها من جنس إيجاد القبور في المساجد، أو من جنس إقامة المساجد على القبور، وليس هذا كهذا، فالحاصل أن إدخال الحجرة النبوية في المسجد، ليس من جنس عمل الغلاة في القبور، الذين بنوا عليها المساجد, أو أحدثوها في المساجد، هذا غير هذا، فإحداث القبر في المسجد أمر لا يجوز، وهو منكر ووسيلة للشرك بصاحب القبر، وهكذا كون المسجد يبنى عليه، كما فعلت بنوا إسرائيل،.... المسجد يبنى عليه، هذا أيضاً لا يجوز, ولهذا قال- عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح المتفق عليه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا في كل مكان ألا يبنوا على القبور مساجد، وألا يبنوا عليها قباباً ولا غيرها ويجعلوها ضاحية بارزة كما كانت القبور في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- كذلك في مقبرة البقيع وغيره ليس عليها بناء، وكما هو الحال الآن في البقيع والحمد لله قد أزيلت عنها المباني وهكذا في مكة, فالمقصود أن تكون القبور بارزة ضاحية ليس عليها بناء هذا هو الواجب، لا يبنى عليها قباب ولا مساجد ولا غير ذلك، وأما إدخال الوليد بن عبد الملك الحجرة النبوية فكان لأجل التوسعة, وإن كان هذا غلطاً ينبغي أنه لم يقع حذراً من هذه الفتنة التي وقعت لبعض الناس، لكنه- رحمه الله- وعفا الله عنا وعنه لم ينتبه لهذا الأمر الذي حصل في الناس الآن، ولعل أسباب عدم إخراجه من المسجد بعد ذلك، أنه كل والي يتولى المدينة يخشى أنه إن فعل شيئاً أن يقام عليه وأن ينكر عليه, وأن يقال أنت تبغض النبي- صلى الله عليه وسلم- وأنت, وأنت, وأنت فيتهم، فلهذا ترك الناس إخراج الحجرة بعدما أدخلت, لعل هذا هو السبب والله أعلم فيما أعتقد أن الولاة الذين تولوا الإمرة بعد الوليد لعلهم خشوا إذا أخرجوا الحجرة من المسجد أن يقال فيهم: إنهم كيت وكيت، إنهم ليسوا يحبون النبي- صلى الله عليه وسلم-, أو أنهم مقصرون في حق النبي-عليه الصلاة والسلام-, أو ما أشبه ذلك من الأقاويل التي قد يخشى منها فلهذا ترك هذا الأمر، ولم يخرج من المسجد، من أجل خوف قالت الناس وفتنة الناس بالقيل والقال في إخراجه من المسجد بعدما أدخل، ثم أيضاً مثلما تقدم ليس هذا من جنس ما يفعله الناس, بل هذه حجرة برمتها, وبيت برمته أدخل فليس من المسجد, وليس من أرض المسجد، وليس مدفون في المسجد، وليس المسجد مقام عليه بل المسجد قائم مستقل قبل إدخال الحجرة، فالمسجد قائم وإنما جاءت الوسعة فقط اليسيرة التي جاءت من جهة الشرق، هذا هو الواقع, فلا يجوز لأحد أن يحتج بهذا على البناء على القبور, أو إدخال القبور في المساجد لا حجة له في هذا، بل الواجب أن تكون القبور بعيدة عن المساجد ليست في المساجد، بل تكون في أرض مستقلة وضاحية شامسة مكشوفة ليس عليها بناء, وليس عليها مساجد، هذا هو الواجب على جميع المسلمين في كل مكان، طاعة للنبي- صلى الله عليه وسلم- وامتثالاً لأمره, واتباعاً لسنته وحذراً من وسائل الشرك، ولهذا أبدى وأعد في هذا-عليه الصلاة والسلام-وكثر في ذلك، لئلا يقع الناس في الشرك، ومن ذلك ما تقدم من الأحاديث الصحيحة: (لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، ومن هذا قوله-صلى الله عليه وسلم:( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)، رواه مسلم في الصحيح، من حديث جندب بن عبد الله البجلي، وهكذا حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-في الصحيح، يقول-صلى الله عليه وسلم-: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ذلك، وألا يحتجوا بما فعله الوليد بن عبد الملك بإدخال الحجرة النبوية، فإن أدخل بيتاً ولم يدفن في المسجد، ولم يبني قبراً في المسجد، وإنما أدخل الحجرة اجتهاداً منه للتوسعة للمسلمين فليس هذا مثلما أحدثه الناس, ولا ينبغي أن يقاس هذا على هذا، بل الواجب الحذر مما نهى عنه النبي-صلى الله عليه وسلم- ولعن أهله والفاعلين له، ومن ذلك ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه نهى عن تجصيص القبور, وعن القعود عليها والبناء عليها) فالرسول نهى أن يجصص القبر, ونهى أن يقعد عليه, ونهى أن يبنى عليه، وهذا يشمل القبة والمسجد وغير ذلك، فالواجب على جميع المسلمين طاعة النبي-صلى الله عليه وسلم-وامتثال أمره والحذر مما نهى عنه، في القبور وغيرها، فلا يبنى عليها، ولا يتخذ عليها قبة ولا مسجد، ولا تجصص كل هذا مما نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-, والمقصود من هذا كله سد الذرائع الموصلة إلى الشرك والنهي عن وسائله؛ لأن الناس إذا رأوا مسجداً معظماً، بالقبة والفراش ونحو ذلك، عظموه بالدعاء, والاستغاثة دعوه واستغاثوا بصاحبه، فوقع الشرك، فالواجب على المسلمين في أي مكان أن يتقوا الله وأن يحذروا الدفن في المساجد، أو إقامة مسجد على القبر وإن كان قبراً عظيماً، وإن كان صاحبه صالحاً، فالأنبياء هم أصلح الناس ولا يجوز البناء على قبورهم، فهكذا بقية الناس من باب أولى، والواجب هو امتثال أمر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, والتقيد بما قاله-عليه الصلاة والسلام-, والحذر مما نهى عنه-عليه الصلاة والسلام-, والحكمة في هذا واضحة، الحكمة ظاهرة وهي سد الذرائع الموصلة إلى الشرك، فإنه وجود المسجد، وجود قبر في المسجد، أو جود المسجد على القبر كل ذلك من وسائل الشرك بصاحب القبر، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق, ونسأل الله أن يبصر المسلمين, وأن يمنحهم الثقة في الدين, وأن يعيذهم من أسباب الشرك ومن وسائله وذرائعه إنه سميع قريب.