يسهرون كثيراً، ولا يستيقظون إلا بعد الظهر

السؤال: ما رأي فضيلتكم في الذين يذهبون إلى رحلات برية، ويقيمون المخيمات لعدة أيام، وغالباً ما تكون في أيام الشتاء، والملاحظ أن هؤلاء يقضون الليل بالسهر حتى قبيل الفجر بنحو ساعة، ثم يخلدون إلى النوم ولا يستيقظون إلا بعد الظهر حوإلى الساعة الواحدة والنصف، ثم يصلون الفجر مع الظهر جمعاً فما الحكم؟ علماً أن بعضهم يحتج بشدة البرد، والبعض الآخر يحتج بالتعب بسبب السهر، أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً؟

الإجابة

الإجابة: مما لا شك فيه أن الصلاة ثانية أركان الإسلام التي بُني عليها كما صح ذلك في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام" [أخرجه البخاري: كتاب الإيمان / باب الإيمان وقول النبي (صلى الله عليه وسلم): " بني الإسلام... "، ومسلم: كتاب الإيمان / باب بيان أركان الإسلام]، وأن الصلاة مفروضة بأوقات معينة لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} فلا تصح الصلاة قبل الوقت ولا بعده إلا بعذر.

أما قبل الوقت فلا تصح مطلقاً حتى لو صلى إنسان ظاناً أن الوقت قد دخل ثم تبين له أنه لم يدخل، فإن عليه أن يعيد صلاته بعد دخول الوقت، وتكون الصلاة الأولى نفلاً.

أما إذا صلاها بعد الوقت، فإن كان بعذر شرعي كالنسيان والنوم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك"، ولما نام صلى الله عليه وسلم وصحبه في السفر ولم يوقظهم إلا حر الشمس قضوا صلاة الفجر [أخرجه البخاري: كتاب التيمم / باب الصعيد الطيب، ومسلم: كتاب المساجد / باب قضاء الصلاة الفائتة].

وإن أخرها عن وقتها بلا عذر شرعي فإنها لا تقبل منه، لأنه إذا أخرجها عن وقتها بلا عذر شرعي عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، أي مردود على العامل.

إذا عُلم هذا فإن الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين، وأما البرد فليس عذراً في تأخير الصلاة عن وقتها وذلك لأنه يوجد ولله الحمد ما يسخن به الماء في هذه الرحلات، فعليهم أن يسخنوا الماء ليتوضئوا به، وإذا قدر أنه كان على الإنسان جنابة ولم يتمكن من تسخين الماء بمعني ليس عنده شيء يسخن به الماء وخاف على نفسه من البرد ففي هذه الحالة يتيمم، فإذا أرتفع النهار وجاء الدفء اغتسل، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها لمثل هذه الأعذار الواهية.

فنصيحتي للأخوة الذين يخرجون للرحلات أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يخافوا يوم الحساب، وأن يعلموا أنهم سيلاقون ربهم فيحاسبهم على ما عملوا، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}، ونسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى.



مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب الصلاة.