صفة المداينة على الوجه الشرعي

ما هي صفة المداينة السليمة التي هي على الوجه الشرعي السليم؟ أرجو شرح ذلك بالتفصيل.

الإجابة

المداينة السليمة هي أن الإنسان يشتري الحاجة إلى أجل معلوم، يكون محتاجاً مثلاً إلى طعام فيشتري الطعام من التاجر إلى أجل معلوم، ما عنده فلوس إلى أجل معلوم، محتاج إلى ملابس يشتريها إلى أجل معلوم، محتاج إلى إدام يشتريه له إلى أجل معلوم، محتاج إلى الزواج فيقترض من أخيه إلى أجل معلوم أو مطلقاً، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) (البقرة: من الآية282) وقال الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة: من الآية275)، فإذا استدان منه إلى أجل معلوم أو اشترى منه إلى أجل معلوم فلا حرج في ذلك إذا كان المبيع ليس من أموال الربا، أما إذا كان من أموال الربا فلا بد أن يكون الثمن ليس من أموال الربا حتى لا يقع الحرام، فإذا اشترى بُراً أو أرزاً أو غنماً أو إبلاً أو بقراً إلى أجل معلوم فلا بأس به، يعني بالنقود إلى أجل معلوم فلا بأس، لكن لو اشترى البر ببر إلى أجل معلوم أو بشعير إلى أجل معلوم فلا؛ لأن هذه أموال ربا، أو اشترى دولاراً بريال سعودي أو بدينار أردني أو عراقي أو بجنيه إسترليني إلى أجل فإنه لا يجوز، فلا بد من التقابض في المجلس؛ لأن هذه أموال ربوية نقود لا بد فيها من التقابض في المجلس، فإذا كان من جنس واحد فلا بد فيها من التماثل مع القبض أيضاً، إذا كان من جنس واحد فلا بد من أمرين: التقابض والتماثل، فإن كانت من جنسين كالذهب والفضة والدولار والجنية الإسترليني ونحو ذلك فلا بد من التقابض؛ لأنهما ربويان كبيع البر بالشعير لا بد من التقابض لأنهما ربويان، لكن لو باع أرضاً بأي عملة وبأي ثمن إلى أجل معلوم فلا بأس؛ لأن الأرض غير ربوية، أو باع إبلاً أو غنماً إلى أجل معلوم بأي عملة فلا بأس، ولو كان الثمن المؤجل أكثر من الثمن الحال، لو باعها بسعر النقد كان ثمنها أقل فلا بأس أن يبيعها إلى أجل ولو بثمن أكثر ولا يكن هذا رباً عند جمهور أهل العلم، بل بعضهم حكاه إجماعاً؛ فإن المداينة نص عليها الرب -عز وجل- وبين إباحتها سبحانه، فليس في المداينة حرج إلى أجل معلوم ولو كان الثمن المؤجل أكثر من الثمن الحال. ومعلوم أن عادة التجار لا يبيعون إلى بزيادة إذا كان مؤجلاً، لا يبيعون المؤجل بنفس الحال هذا أمر معلوم، فلا حرج في ذلك، أما إن كانت المسألة فيها حيلة فالحيل التي توصل إلى الحرام أو توقع في الحرام محرمة، الأعمال بالنيات، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)، فإذا اشترى منه حاجة بثمن مؤجل ثم ردها عليه بثمن نقد والمقصود هو الثمن المؤجل، المقصود هو الثمن النقد بالمؤجل ولكن جعل السلعة حيلة وتسمى مسألة العينة هذه الحيلة باطلة ولا تجوز، فلو اشترى منه سيارة بعشرين ألفاً أو بأربعين ألفاً إلى أجل معلوم ومقصوده أن يبيعها عليه ويأخذ الفلوس نقداً، ثم ردها عليه بأقل من ذلك لأنه احتاج النقود فهذا ربا واضح؛ لأنه تحيل بالسلعة التي هي سيارة لأخذ النقود المعجلة بنقود مؤجلة، إذا تواطأ على ذلك فهذا باطل، فإن لم يتواطأا بل اشترى منه السيارة إلى أجل من غير تواطؤ على أنه يبيعها عليه ثم بدا له أن يبيعها عليه فكذلك، إذا باعها بنقد معجل أقل فإنه يمنع أيضاً سداً للذريعة وحسماً لمادة الربا؛ كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- أن أم ولد زيد ابن أرقم باعت على زيد غلاماً بثمان مئة إلى العطاء ثم اشترته منه بستمائة نقداً فأنكرت عائشة ذلك عليهما، وقالت: (أخبري زيداً بأنه قد أبطل جهاده مع رسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتوب)، وبينت أن هذا ربا؛ لأن المقصود دفع ست مائة بثمان مائة إلى أجل، ليس المقصود السلعة، وفي هذا المعنى جاء حديث عبد الله بن عمر: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم). فالمقصود أن التحيُّل لا يجوز بفعل ما حرم الله، بل يجب أن تكون الأمور ظاهرة واضحة لا حيلة فيها تخالف الشرع.