حكم الاعتقاد في الأموات والاستعانة بهم والتبرك بهم

أنا أعيش في مكان يوجد فيه أناس يدَّعون أنهم من المسلمين، يصلون ويزكون ويصومون ويحجون، ولكنهم يعتقدون في الأموات، ويقول: إن الولي الميت أو الشيخ واسطة عند الله، ويتبركون به ويستعينون بهذا الميت الولي، ويزورونه وينذرون له النذور، ويشدون إليهم الرحال، وإذا نصحتهم قالوا: هؤلاء أولياء يجب التقرب إليهم! ويكرهون من يمنعهم وينصحهم بألا يعبدوا الأموات والأولياء! ماذا نفعل؟ وهل نتركهم على ما هم عليه؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

هذه مصيبة عظيمة، واقعة في بلدان كثيرة، والواجب على أهل العلم أن يرشدوا الناس إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك حتى يعلم هؤلاء العوام بطلان ما هم عليه، كونه يصلي ويحج ويصوم ويزكي ثم يعبد غير الله هذا يبطل عمله، قال تعالى: ..وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) سورة الأنعام. وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) سورة الزمر، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم والذبح لهم، هذا شرك أكبر، ينافي التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، وينافي ما دلَّت عليه الآيات من وجوب الإخلاص العبادة لله، كما في قوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) سورة الفاتحة، وقوله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء.. (5) سورة البينة، وقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ.. (21) سورة البقرة. وقوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ.. (23) سورة الإسراء. ..فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ*أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ.. (2-3) سورة الزمر، ..فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) سورة الجن، وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) سورة المؤمنون، وقال سبحانه: ..ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ*إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (13-14) سورة فاطر، سبحانه وتعالى، فجعل دعاءهم للأموات والأصنام، والأشجار والأحجار شركاً بالله عز وجل، فالواجب تنبيه هؤلاء وتحذيرهم وحث العلماء على تنبيههم وتحذيرهم حتى يتبصروا ويعلموا أنهم على باطل وعلى شرك، وأن صلاتهم تحبط بذلك، وهكذا صومهم وزكاتهم وحجهم، وأعمالهم الأخرى، حتى يخلصوا العبادة لله وحده، فقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أناس ليُخلِّصهم من هذا الشرك، فقعد في مكة عشر سنين يدعوهم إلى توحيد الله وإلى ترك دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والأصنام والأشجار والأحجار، ويقول: (يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)، قبل أن تفرض الصلاة، ثم فرضت الصلاة في مكة ومكث بعد ذلك مدة يدعوهم إلى توحيد الله، ثم هاجر إلى المدينة ولم يزل يدعو إلى الله، وإلى توحيده سبحانه وتعالى. فالواجب عليك -يا أخي- أن تحرص على دعوة هؤلاء وإرشادهم بالحكمة والصبر والأسلوب الحسن لعل الله يهديهم بأسبابك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، ويقول صلى الله عليه وسلم لعلي لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود، يقول: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النعم)، فدعوة الأموات بقول: يا سيدي اشف مريضي!! أو انصرني!! أو المدد المدد يا فلان!! أو النذر لهم أو ما أشبه ذلك من أنواع العبادة كله شرك بالله، وهكذا الذبح لهم، ذبح البقر أو الغنم أو الدجاج، أو غير ذلك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله)، والله يقول سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي (يعني: ذبحي) وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (162-163) سورة الأنعام، فالذبح لغير الله من الشرك بالله، فالذي يذبح للأموات يتقرب إليهم مثل الذي يصلي لهم، وهكذا من ينذر لهم بالقرابين: إن شفى الله المريض فللسيد فلان كذا، فله ذبيحة، له ثور، له كذا، أو إلى سيدي البدوي اشف مريضي، أو المدد المدد، أو يا سيدي الحسين، أو يا شيخ عبد القادر، أو يا رسول الله اشف مريضي، أو انصرنا !! أو ما أشبه ذلك كل ذلك من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر، والواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس ذلك، وأن ينصحوهم وأن يرشدوهم إلى الحق والصواب، وأن يصبروا على جهلهم وأذاهم حتى يتعلموا وحتى يستفيدوا، هكذا كان الرسل يصبرون وهم أفضل الخلق عليهم الصلاة والسلام، آذاهم أقوامهم وربما قتلوهم على كذلك ومع هذا صبروا عليهم الصلاة والسلام وبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، حتى قبضهم الله عليهم الصلاة والسلام، وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم، فقد صبر على قومه ثلاثة وعشرين سنة وهو يدعوهم إلى الله حتى هدى الله على يده من هدى، وحتى أكمل الله به الدين وأتم عليه النعمة، فالواجب التأسي به في ذلك عليه الصلاة والسلام، والصبر على الدعوة والتوجيه والإرشاد رجاء ما عند الله من المثوبة.