كل بدعة ضلالة

هل توجد بدع حسنة وبدع سيئة، مع أن بعض البدع لا بأس بها ولا تمس جوهر الدين في شيء، وهل لأصحاب المذاهب آراء في ظهور البدع، وهل منهم من أجاز البعض منها؛ لأننا عندما نتحدث إلى شخص ونحاول إقناعه بأن بعض الذي يعمله بدعة وكل بدعة ضلالة؛ يقول: هذه لا بأس بها؛ لأنها لا تضر بالدين! مع العلم أن هناك من يرى الدعاء بعد الصلاة بالمصلين وهو إمام، وكاد بعض المصلين أن يؤذيه؛ لأنه ترك الدعاء بهم، هذا إلى جانب تفشي كثير من البدع، أرجو توضيح هذه المسألة جزاكم الله خيراً، ووفقكم لأداء رسالتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإجابة

البدعة ليس فيها حسنة كلها ضلالة كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة) هذا كلام عظيم وقاعدة كلية عظيمة وقالها النبي - صلى الله عليه وسلم -، والبدع هي التي يحدثها الناس في الدين عبادات ما شرعها الله يقال لها بدعة مثل إحداث شيء ما شرعه الله في الصلاة من رفع اليدين بين السجدتين، أو في آخر الصلاة أو بعد السلام من الفريضة هذه بدعة ما شرعها الله جل وعلا، مثل إحداث الاحتفالات بالموالد، هذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، مثل إحداث البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها هذه من البدع أيضاً وما أشبه ذلك مما أحدثه الناس، والقاعدة أن كل ما أحدثه الناس في الدين وسموه طاعةً وقربة وليس له أصل في الشرع يسمى بدعة، أما ما يظن بعض الناس أنه بدعة حسنة وليس كذلك فهذا ليس من البدع مثل بناء المساجد بإسمنت هذا شيء جديد ولا يسمى بدعة لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر ببناء المساجد سواءٌ كانت بالطين أو باللبن أو بالحجر أو بالخشب أو بالإسمنت كله ما يسمى بدعة، مثل المدارس المبنية بالربط هذه ما تسمى بدعة ضلالة وإن سماها الناس بدعة من جهة اللغة من جهة أنها لم تكن سابقة موجودة لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بما ينفع النساء أمر بالتعليم وأمر بتعمير المساجد، فإذا عمر الناس مسجداً بالإسمنت أو عمر الناس مدرسة أو رباطاً للفقراء أو للمهاجرين أو الغرباء لا بأس كل هذا ما تسمى بدعة سيئة هذه من الأمور الشرعية لأن فيها نفع للمسلمين وإحسان إليهم امتثالاً لأمر الله عز وجل في الأمر بنفع المسلمين والإحسان إلى الفقراء وتعليم الجاهل، سواءٌ كان يعلم في المسجد أو يعلم في مدرسة ليس هذا من البدع التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن سميت بدعة من حيث اللغة كما قال عمر - رضي الله عنه - في التراويح نعمت البدعة لأنه رتبهم على إمام واحد في كل ليلة فسماها بدعة من حيث اللغة لأنه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يصلون أوزاعاً صلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث ليالي ثم تركهم وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل) أو قال: (إني أخاف أن تفرض صلاة الليل) فترك ذلك خوفاً على الأمة من أن يفرض عليهم ولما كان في زمن عمر جمع الناس على إمامٍ واحد يصلي بهم التراويح وقال: (نعمت البدعة) يعني من حيث اللغة وإلا فهي سنة التراويح سنة فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ورغب فيها عليه الصلاة والسلام وهكذا الربط والمدارس التي يفعلها الناس للتعليم وهكذا ما يسمى بالمعاهد، وهكذا ما يسمى بالمجامع للناس لتحفيظهم القرآن أو ما أشبه ذلك على اختلاف الأسماء أو خلوات على حسب اختلاف الناس في الأسماء، كل ذلك مما ينفع الناس وليس من البدع بل هو من التعاون على البر والتقوى، ومن باب الحرص على تعليم الناس الخير وجمعهم في أماكن تحفظهم وتحفظ أدوات التعليم وليس هذا من باب البدع، أما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيئاً) فهذا معناه إظهار السنن يعني إظهار العبادة التي خفيت وجهلها الناس، فالذي يظهرها للناس ويسنها للناس له أجرٌ عظيم، لأنه أحيا سنن وليس معناه أنه يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله لأن الله ذم من فعل ذلك وقال: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فالإحداث منكر ولكن إحياء السنن وإظهارها بين الناس عند خفاءها وعند جهل الناس بها هذا هو السنة في الإسلام وهو معنى من سن في الإسلام ويدل على هذا أن الحديث سببه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حرض على الصدقة وحث الناس على الصدقة جاء إنسان وصرة في يده كانت كفه تعجز عنها فقدمها، فلما رأوه الناس تتابعوا وجاءوا بالصدقات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: (من سن في الإسلام سنة حسنة) يعني أظهر الصدقة وجاء بالمال فتتابع الناس واقتدوا به في ذلك. سماحة الشيخ لا بد أن هناك حداً فاصلاً وحداً دقيقاً للفرق بين البدعة وبين السنة بينما هو في الدين وبينما هو في الدنيا؟ أمور الدنيا ما فيها بدع وإن سميت بدع، اختراع الناس السيارات أو الطائرات أو الحاسب الآلي أو شبه ذلك مما اخترعه الناس أو الهاتف أو البرقية كل ذلك ما يسمى بدعة وإن سمي بدعة من حيث اللغة فهو غير داخل في بدع الدين لأن البدعة في اللغة الشيء الذي لم يكن له مثال سابق اخترع يسمى في اللغة بدعة ومنه: (بديع السماوات) يعني مخترعها سبحانه وتعالى، هذا في اللغة يطلق على من كان ليس له مثال سابق وإذا كان في الدنيا ما يسمى بدعة ما يذم وإن سميت بدعة من حيث اللغة، لكن ما ينكر ليس في الدين ليس في العبادات فإذا سمي مثلاً اختراع السيارة أو الحاسب الآلي أو الطائرة أو ما أشبه ذلك سمي بدعة فهذا من حيث اللغة وليس بمنكر ولا ينكر على الناس، وإنما ينكر على الناس ما أحدثوه في الدين من صلوات مبتدعة، أو عبادات أخرى مبتدعة هذا هو الذي ينكر في الدين؛ لأن الشرع يجب أن ينزه عن البدع فالشرع مما شرعه الله ورسوله لا ما أحدثه الناس في دين الله من صلاة أو صيام أو غير ذلك مما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى. سماحة الشيخ متى بدأت البدع وهل هناك من أملٍ في استئصالها؟ بدأت في العهد الأول من عهد الصحابة ابتدعها الخوارج والشيعة من العهد الأول فهي قديمة الوجود من القرن الأول نسأل الله السلامة. الأمل في استئصالها سماحة الشيخ كيف يكون بأي وسيلة؟ ليس لها طريق إلى الدعوة إلى الله، وتعليم الناس الخير وقوة ولاة الأمور في إنكارها وتعزير من يفعلها، فإذا قوي السلطان والوازع السلطاني في بلد، وبين العلماء حقيقة البدع في الغالب أنها تنتهي في البلد تزول، وإن بقيت في بلاد أخرى أو دولة أخرى فعلى حسب قوة السلطان، وقوة الوازع وبيان أهل العلم تقل البدع وإذا قل أهل العلم أو قل الوازع السلطاني كثرت الخرافات والبدع في البلاد والمناطق، وكلما زادت الجهالة وزاد الخرافيون في البلد وقل الوازع السلطاني وقل العلماء تكثر والبدع وتنتشر، فإذا وجد العلماء أهل البصيرة في الدين ووجد الوازع السلطاني في إنكار البدع قلت البدع حتى تزول بإذن الله.