ما هو الشرك ؟

ما هو الشرك ؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه, وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله, وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد: فإن الشرك هو أعظم الذنوب, وهو أعظم الجرائم وهو الذي جرى بين الرسل وبين الأمم فيه النزاع, فالأمم كانت على الشرك إلا من هداه الله وحفظ من أفراد الناس والرسل تدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له، وكان هذا الشرك قد حدث في قوم نوح لأسباب غلوهم في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، لما غلوا فيهم وعظموهم التعظيم الذي نهى الله عنه, وقعوا في الشرك بعد ذلك وصاروا يستغيثون بهم وينذرون لهم ويذبحون لهم, فلما ظهر فيهم هذا الشرك بعث الله إليهم نوحاً -عليه الصلاة والسلام- يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم عن الشرك ويحذرهم منه, ولم يزل فيهم يدعوهم إلى الله ويأمرهم بالإخلاص لله -سبحانه وتعالى- والتوبة إلى الله من شركهم, ولكنهم استمروا على طغيانهم وضلالهم إلا القليل فبعد ذلك أمره الله أن يصنع السفينة وأن يحمل فيها من آمن معه، ومن كل زوجين اثنين. وأهلك الله أهل الأرض وأغرقهم بسبب كفرهم وشركهم بالله -سبحانه وتعالى-، وهكذا بعد ذلك الأمم من قوم هود وقوم صالح ومن بعدهم أرسل الله إليهم الرسل تدعوهم إلى توحيد الله وتنذرهم الشرك بالله -عز وجل-، ولم يؤمن إلا القليل وأكثر الخلق غلب عليه طاعة الهوى والشيطان. ونبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- هو خاتم الأنبياء وهو أفضلهم وإمامهم بعثه الله إلى هذه الأمة ينذرها الشرك بالله ويدعوها إلى توحيد الله -سبحانه وتعالى-، وكان الشرك في وقته قد انتشر في الأرض وعم ولم يبقى على التوحيد إلا البقايا القليلة من أهل الكتاب، فأنذرهم -عليه الصلاة والسلام- من هذا الشرك وكانوا يتعلقون على الأشجار والأحجار والأصنام ويدعون الأنبياء والصالحين ويستغيثون بهم وينذرون لهم ويجعلون يقولون إنهم شفعاؤنا عند الله وأنهم يقربونا إلى الله زلفى، كما ذكر الله ذلك عنهم بقوله سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ, قال الله سبحانه رداً عليهم:قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(18) سورة يونس. هذا شأن المشركين يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار والأولياء والأنبياء، فبهم يستغيثون ولهم ينذرون وإليهم يتقربون بالذبائح هذا هو الشرك الأكبر وهذا هو الذي أنكرته الرسل، وأنكره أتباعهم من دعاة الحق، قال الله فيه سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(88) سورة الأنعام. وقال فيه سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(65) سورة الزمر وقال فيه سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(13) سورة لقمان. وقال فيه عز وجل: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) سورة النساء. وفي موضع آخر: وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا(116) سورة النساء. وبهذا نعلم حقيقة الشرك وأنه تشريك غير الله مع الله لعباده -سبحانه وتعالى- من أولياء أو أنبياء أو جن أو ملائكة أو أحجار أو أصنام أو شجر أو غير ذلك, هذا هو الشرك الأكبر, وهذا هو الذنب الأعظم الذي نهت عنه الرسل وأنزل الله فيه الكتب-سبحانه وتعالى- وتوعد عليه -عز وجل- بعدم المغفرة وبعدم دخول الجنة, وهكذا يلحق بذلك جميع أنواع الكفر كلها حكمها حكم الشرك, فإذا سب الله أو سب رسوله أو استهزأ بالدين أو تنقص الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو طعن برسالته -عليه الصلاة والسلام-، أو جحد بعض ما أوجب الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة كأن جحد وجوب الصلاة، الصلوات الخمس، أو جحد وجوب زكاة المال، أو جحد وجوب صوم رمضان، أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو جحد تحريم الزنا أو جحد تحريم الخمر أو جحد تحريم السرقة أو ما أشبه ذلك كل هذا يسمى كفراً ويسمى شركاً بالله -عز وجل- وصاحبه إذا مات عليه مخلد في النار -نعوذ بالله- الجنة عليه حرام وأعماله حابطة، كما قال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(88) سورة الأنعام. وقال -عز وجل-: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا(23) سورة الفرقان. وقال سبحانه: وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(5) سورة المائدة. فالواجب على جميع المكلفين الحذر من هذا الشرك وأن يخصوا الله بالعبادة عن كل ما سواه, وهذا هو معنى: (لا إله إلا الله) فإن معناها لا معبود حقٌ إلا الله. فهي تنفي العبادة لغير الله، وتثبت العبادة لله وحده -سبحانه وتعالى-، كما قال عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ(62) سورة الحج. وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (36) سورة النحل. وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25) سورة الأنبياء. وهذا التوحيد هو الذي خلق الله لأجله الثقلين, كما في قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) سورة الذاريات. المعنى: إلَّا ليخصوني بالعبادة، يفردوني بالعبادة من صوم وصلاة ودعاء وخوف ورجاء وغير ذلك، هذا هو واجب المكلفين جميعاً, أن يعبدوا الله وحده ويخصوه بعباداتهم دون كل ما سواه, أما الرسل والأنبياء فحقهم الاتباع والمحبة والطاعة أما العبادة فحق الله -سبحانه وتعالى- وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاه(23) سورة الإسراء. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) سورة الفاتحة. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء(5) سورة البينة. وهكذا الأولياء حقهم أن يُحَبُّوا في الله وأن يُسلك سبيلهم الطيب في طاعة الله ورسوله, أما أن يعبدوا مع الله لا، العبادة حق الله، لا يعبد مع الله أحد, لا ملك ولا نبي ولا ولي ولا غير ذلك، والواجب على جميع المكلفين أن يكون اهتمامهم لهذا الأمر أعظم اهتمام؛ لأن التوحيد هو أصل الدين وأساس الملة وهو أعظم واجب وأهم واجب؛ ولأن الشرك هو أعظم الذنوب وأكبر الجرائم فوجب أن يكون اهتمام المسلمين واهتمام طلاب العلم بهذا الأمر أعظم من كل اهتمام وأولى من كل أمر، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق..