الهجر المشروع والممنوع

يقول : بأنه حصل بيني وبين أخي مناظرة ومناصحة، وبعدها تقاطعنا بسبب أني نهيته عن فعل منكر، فهل يعتبر هذا هجر؛ لأنني سمعت حديثا بمعناه: لا يهجر المسلم أخاه ثلاثا ؟ أفيدوني بارك الله فيكم.

الإجابة

الحديث لا يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث، أما الثلاث ففيها رخصة، لكن هذا الهجر فيما يتعلق بأمور الدنيا، إذا صار بينه وبين أخيه خصومة، نزاع، دعاوى، فله أن يهجره ثلاثاً فأقل، وليس له أن يهجره فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام أما إذا كان الهجر لله، للمعاصي فهذا لا يتقيد بثلاث ولا بأربع ولا بأكثر، بل يجوز الهجر ويشرع الهجر لمن أظهر المعاصي ولو أكثر من ثلاثة أيام، ولو سنة، ولو سنتين، ولو أكثر منه، حتى يتوب العاصي، حتى يقلع عن ضلاله ومعصيته، وقد هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة ثلاثةً من الصحابة خمسين ليلة، لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذرٍ شرعي، هجرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر الناس بهجرهم حتى مضى عليهم خمسون ليلة ثم تاب الله عليهم فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلام عليهم، وأعلن توبتهم عليه الصلاة والسلام، المقصود أن الهجر للمعاصي والبدع لا يتقيد بثلاثة أيام بل ذلك يتقيد بحال صاحب البدعة، صاحب المعصية التي أعلنها، فمتى تاب وأقلع عن معصيته وعن بدعته سلم عليه إخوانه، ومتى أصر على المعصية الظاهرة أو البدعة الظاهرة استحق أن يهجر، وشرع هجره حتى يتوب إلى الله من ذلك، إلا إذا كان هجره يزيد الشر، ويترتب عليه مفاسد أكثر فإنه لا يهجر حينئذٍ دفعاً للمضرة الكبرى والشر الأكبر، على حسب قاعدة الشريعة في ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت كبراهما، وفي تحصيل أعلى المصلحتين ولو بفوات الدنيا منهما، والحاصل أنه مقام عظيم، يتفاوت فيه الناس، فمتى كان الهجر أصلح للعاصي والمبتدع هجر المدة التي يبقى فيها مصراً على المعصية والبدعة، فإذا تاب وأعلن رجوعه سلم عليه إخوانه المسلمون، ومتى كان الهجر يزيد الشر ويزيد الفتنة ويترتب عليه شر أكثر من معصيته وبدعته على المسلمين أو سيزداد شره وبلاؤه فإنه حينئذٍ لا يهجر، ولكن ينصح ويوجه دائماً، لعله يرجع إلى الصواب، ويبين له خطؤه ويظهر له من إخوانه كراهة لعمله والاستنكار لعمله، حتى يرجع عن ذلك مع العناية بما يردع شره ويقلل شره ويسبب سلامة الناس منه.