هل رأى رسول الله ربه ليلة الإسراء والمعراج؟

هل رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء والمعراج؟ علماً أني سمعت رجلاً يقول في قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى[النجم:15] أن جبريل -عليه السلام- لا يستطيع الوصول إلى هذا المكان إنما هو الله سبحانه، أرشدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابة

الصواب أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه ليلة الإسراء والمعراج، وإنما رأى جبرائيل، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى هذا جبرائيل عليه الصلاة والسلام ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ذو مرة يعني ذو قوة وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا يعني جبرائيل فَتَدَلَّى*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى يعني من محمد عليه الصلاة والسلام فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ يعني أوحى جبرائيل إلى عبده يعني إلى عبد الله الضمير يعود على الله لأنه معروف من السياق فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى*مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى*وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى*عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (1-14) سورة النجم، كل هذا في جبرائيل هذا هو الصواب، المقام كله في جبرائيل لا في الله -عز وجل- هذا هو الحق. وقد وقع في رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بعض الغلط وذكر ما يدل على أنه هو الله سبحانه وتعالى، ولكن أهل الحق من أئمة الحديث غلَّطوا شريكاً في ذلك، فالصواب أن الآية في جبرائيل وأنه هو الذي رآه محمد عليه الصلاة والسلام، ورآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، فهذا هو جبرائيل عليه الصلاة والسلام، وكان رآه مرتين في صورته التي خلقه الله عليها رآه في الأفق ورآه عند السدرة وله ستمائة جناح كل جناح منها مد البصر! وهذه من آيات الله العظيمة سبحانه وتعالى، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه– قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (رأيت نوراً) وفي اللفظ الآخر قال: (نور أنى أراه؟!) فبين - صلى الله عليه وسلم – أنه لم ير ربه وإنما رأى نورا، وسئلت عائشة عن ذلك فأفادت أنه لم ير ربه وتلت قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ.. (الأنعام:103) يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فيراه النبي - صلى الله عليه وسلم – والمؤمنون، يرونه يوم القيامة ويرونه في الجنة كما يشاء سبحانه وتعالى، هذا بإجماع أهل السنة والجماعة أن المؤمنين يرونه يوم القيامة في عرصات القيامة، ويراه المؤمنون أيضاً في الجنة كما تواترت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أنه قال للصحابة: (هل تضارون في رؤية الشمس صحوة ليس دونها سحاب؟) قالوا: لا، قال: (هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟) قالوا: لا، قال: (فإنكم سترون ربكم كذلك) أي ترونه كما ترون هذه الشمس وهذا القمر، يعني رؤية حقيقة، هذا واضح في إثبات الرؤية وأن المؤمنين يرون ربهم جل وعلا يوم القيامة وفي دار الكرامة كما تُرى الشمس وكما يُرى القمر وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا بالمرئي، ليس تشبيها المرئي بالمرئي ربنا لا شبيه له سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم – شبه الرؤية في وضوحها وأنها يقين كرؤية الشمس والقمر، يعني أنها رؤية واضحة ثابتة يقينية لا شبهة فيها، أما المرئي سبحانه فليس له شبيه ولا نظير جل وعلا، وهذا هو قول أهل الحق قول أهل السنة والجماعة، وقد ثبت هذا في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث جرير بن عبد الله البجلي ومن أحاديث أخرى كثيرة متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في إثبات رؤية الله جل وعلا يوم القيامة، يراه المؤمنون ويراه المؤمنون أيضاً في الجنة أما الكفار فإنهم محجوبون عن الله -عز وجل- كما أخبر بهذا سبحانه في قوله : كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ*كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (14-15) سورة المطففين، فهم محجوبون عن رؤية الله -عز وجل- لا يرونه، أما أهل الإيمان فيرونه، وهذا معنى قوله سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (القيامة:23)، (وجوه يومئذ ناضرة) يعني من البهاء والحسن، ناضرة من النضارة وهي البهاء والحسن والجمال، (إلى ربها ناظرة) إليه سبحانه تنظر إليه سبحانه وتعالى كما يشاء، فضلا منه وإحسانا سبحانه وتعالى، وكما قال -عز وجل-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (يونس:26) المعنى للذين أحسنوا في الدنيا الحسنى في الآخرة وهي الجنة (وزيادة) وهي النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى. فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة أن يعتقد ذلك وأن يؤمن بذلك وأن يبرأ إلى الله من طريقة أهل البدع الذين أنكروا الرؤية ونفوها كالجهمية والمعتزلة ومن سار في ركابهم، هذا القول من أبطل الباطل وأضل الضلال، وجحد لما بينه الله في كتابه وما بينه رسوله عليه الصلاة والسلام. نسال الله أن لا يحجبنا من رؤيته وأن يوفقنا وجميع إخواننا المؤمنين لرؤيته سبحانه وتعالى والتنعم بذلك في القيامة وفي دار الكرامة، إنه جل وعلا جواد كريم، ونسأل الله العافية من حال أهل البدع الذين حرموا هذا الخير وحرموا هذا التوفيق، نسأل الله العافية، وحرموا أن يقروا بالحق الذي أقر به المؤمنون، وهم جديرون بأن يمنعوا من هذا يوم القيامة لجحدهم إياه، نسأل الله العافية.