سبب قلَّة أحاديث أهل البيت

السؤال: أخبرني أحد العلماء: أن رواة الحديث حذفوا ماروى أهل البيت من أحاديث -أو معظمها- والدليل: أنهم كانوا أقرب الناس للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا نجد لهم في كتب الحديث أحاديث، فلماذا لا نجد أحاديث للحسن والحسين، وفاطمة وزينب، برغم قربهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنهم أكثر من عاشوا معه، وسمعوا منه؟! فأين أحاديث هؤلاء، ولما نجد أحاديث السيدة عائشة -رضي الله عنها- أكثر من غيرها؟

الإجابة

الإجابة:

الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:

فإن قول القائل: إن رواة الحديث حذفوا ما رواه أهل البيت من أحاديث فخطأٌ محضٌ، وتجنٍّ على حملة الآثار والأخبار، الذين هم أعدل الناس وأضبطهم، وقد حفظ الله عزَّ وجلَّ بهم السُنَّة، التي تمثل المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ولا شك أن التشكيك فيهم يؤدي إلى هدم الدين، وضياعه جملةً، والنيل من علماء الأمة المشهود لهم عبر العصور بالعدالة والاستقامة، الذين حفظوا السُّنَّة من أعدائها الذين أدخلوا فيها ما ليس منها من الأحاديث الموضوعة، فلولا أن الله حفظ الشريعة بنقَّاد الحديث؛ لاضمحلَّ الدين، وتهدمت أركانه، ولولا بقايا من علماء الحديث؛ لوقع من الكذب عليه والتحريف لكلامه صلى الله عليه وسلم ما شاء الله؛ وكلُّ هذا وفق منهجٍ ربَّانيٍّ فريد.

لقد تلقوا رحمهم الله الحديث الشريف عن الصحابة الكرام، ثم نقلوه لمَن بعدهم، وهكذا إلى أن أُودع الحديث الشريف مع أسانيده في كتب السُّنَّة المشهورة، لم يحابوا أحداً بتدوين أحاديثه، ولا تحاملوا –حاشاهم- على آخرين بكتم أحاديثهم أو حذفها، وإنما نقلوا إلينا كل ما حُدِّثوا به، ومن زعم أنهم كتموا أحاديث أهل البيت؛ فقد جوَّز ضياع أجزاء من الشريعة، وهو باطلٌ؛ لتكفل الله بحفظها، ومع هذا فهو مطالب بالدليل.

وأما زَعْمُ قلة الرواية في أحاديث أهل البيت: فمجازفة وتخرُّصٌ، وإليك تفصيل ذلك:

أولا: أحاديث فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة:
من المعلوم أنها رضي الله عنها تقدَّمت وفاتها؛ حيث توفيت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وقيل بثلاثة أشهر، وهذا السبب وحده كافٍ في الدلالة على قلَّة حديثها، ليس هي وحدها بل كل من تقدَّمت وفاته من الصحابة فأحاديثه قليلة، سواء كان من أهل البيت أو غيرهم، ومع هذا فلفاطمة رضي الله عنها أحاديث غير قليلة في "مسند الإمام أحمد"، و"مسند الشافعي"، و"مسند أبي يعلى"، و"مسند الطيالسي"، وغيرها من كتب السنة، يرويها عنها: علي بن أبي طالب، وابناها الحسن والحسين، وفاطمة بنت الحسين، وعمرو بن أميَّة الضَّمْريُّ، والحسن بن أبي الحسن، وعبد الله بن الحسن، وزيد بن علي، وأسماء بنت عُمَيْس، والحسن بن محمد بن علي، وأنس بن مالك، ومحمد بن علي بن الحسين، كما روى عنها عبدالله بن حسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن جدَّتها فاطمة بنت رسول الله، روت عنها دعاء دخول المسجد.

وكذلك روى البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن والمسانيد فضائلَها؛ ومن ذلك ما في "الصحيحين" من حديث عائشة، قالت: "ما رأيتُ أحداً قطُّ أصدق من فاطمة غير أبيها". وروى الإمام أحمد والترمذي، عن أبي سعيدٍ مرفوعاً: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم بنت عمران".

وأخرج مسلمٌ عن عائشة، قالت: ما رأيتُ أحداً أشبه سَمْتاً ودَلاًّ وهَدْياً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله. قالت: وكانت إذ دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبَّلها، وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت له فقبَّلته، وأجلسته في مجلسها.

ثانيا: أحاديث زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

من المعلوم أنها رضي الله عنها توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثمان من الهجرة، في حين بدأ عصر الرواية بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فجمع رواة الأحاديث الرواية عن الصحابة الأحياء، وهو ما يفسر خلوَّ كتب السنة من رواية هؤلاء الذين توفوا في حياته صلى الله عليه وسلم كمصعب بن عُمَيْر، وعبد الله بن رَوَاحَة، وجعفر بن أبي طالب، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.

ثالثا: الحسن والحسين رضي الله عنهما:

من المعلوم أن الحسن ولد في العام الثالث من الهجرة، وولد الحسين في العام الرابع من الهجرة ، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر الحسن لا يتجاوز الثامنة، والحسين دونه بسنة، أي: قبل سنِّ التحمُّل؛ ولذا فهما يرويان عن النبي بواسطة أبيهما علي رضي الله عنه وأمهما فاطمة رضي الله عنها.

ومع ذلك فقد تحمل الحسن بن علي رضي الله عنهما بعض الأحاديث؛ كحديث دعاء الوِتْر، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهنَّ في الوِتْر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولَّني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرَّ ما قضيت؛ فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذلُّ من واليت، تباركت ربنا وتعاليت" أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والتِّرمذي والنَّسائي، وغيرهم.

وأما قول السائل: إنهم أقرب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم وأكثر مَنْ عاشوا معه وسمعوا منه؛ فغير صحيح أيضاً؛ لأمورٍ منها:

1- أن فاطمة وزينب رضي الله عنهما بنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا متزوجتين، ومقيمتين في بيتي زوجيهما، وأما الحسن والحسين فولد أحدهما في العام الثالث من الهجرة، والآخر بعده بسنة، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر الأكبر لا يتجاوز الثامنة؛ فمدة تحمُّلهما من النبي صلى الله عليه وسلم أقلُّ بكثيرٍ من أصحابه الملازمين له، وزوجاته أمهات المؤمنين.

2- أن أكثر من عاش مع النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر من سمع منه هم صحابته الأوائل، كالخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب - وهو أفضل أهل البيت، وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم- وابن مسعود، وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.

ومن أهل البيت الحبرُ عبد الله بن عباس، وكتب السُّنَّة مليئة بأحاديثه وأحاديث أهل البيت؛ قال شيخ الإسلام: "من المعلوم لكل من له خبرة أن أهل الحديث أعظم الناس بحثاً عن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وطَلَباً لعلمها، وأرغب الناس في اتِّباعها، وأبعد الناس عن اتِّباع هوًى يخالفها ... فإنهم يتبعون قوله إيماناً به، ومحبةً لمتابعته، لا لغرضٍ لهم في الشخص الممدوح؛ ولهذا يذكرون ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فضائل عليٍّ، كما يذكرون ما قاله من فضائل عثمان، كما يذكرون ما ذكره من فضائل الأنصار، كما يذكرون ما ذكره من فضائل المهاجرين، وفضائل بني إسماعيل وبني فارس، ويذكرون فضائل بني هاشم، ويذكرون ما ذكره من فضائل طلحة والزبير، كما يذكرون ما ذكره من فضائل سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وما ذكره من فضائل الحسن والحسين، ويذكرون ما ذكره من فضائل عائشة، كما يذكرون ما ذكره من فضائل فاطمة وخديجة فهم في أهل الإسلام كأهل الإسلام في أهل الملل ... ونقلوا قوله لعليٍّ: "لأعطينَّ الرايةَ غدا ًرجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، وحديثَ الكساء، لمَّا قال لعلي وفاطمة وحسن وحسين: "اللهم هؤلاء أهل بيتي؛ فأذهب عنهم الرِّجْسَ، وطهِّرهم تطهيراً"، وأمثال ذلك". ا ه.